للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما من السنة: فحديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه: أن أناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتوا حيًّا من أحياء العرب فلم يقروهم؛ أي: لم يقدموا لهم القراء الذي يُقدم للضيوف، بينما هم كذلك إذ لدغ سيد ذلك الحي، فسألوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل فيكم راق؟ قالوا: لا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلًا، فجعلوا لهم قطيع شياه، فأخذ رجل - وفي بعض الروايات أنه: أبو سعيد (١) - يقرأ بأمِّ القرآن ويجمع بزاقه - يعني ريقه - ويتفل على الرجل فبرأ، فأعطوهم ما التزموا به - أي: أعطوهم قطيع الشياه - فأخذوا ذلك، لكنهم لم يتصرفوا فيه حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث جاء في الحديث: لا نأخذه حتى نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبروه بذلك، فقال: "وما أدراك أنها رقية؟ خذوه واضربوا لي معكم بسهم" (٢).

وانظر إلى الصحابة - رضي الله عنهم - وتحريهم للحق، وحرصهم على أن يكون ما يأكلونه أو يشربونه مما أحله الله -سبحان الله وتعالى-، وأن لا يُخلط بحرام، وهم مع أنهم بأشد الحاجة إلى ما بأيديهم؛ لأنهم قدموا على أولئك الأقوام فبخلوا عليهم أن يقدموا لهم قراء الضيف؛ ولكن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يتسرعوا في أخذ ذلك، بل أبقوه حتى استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما بين لهم جوازه اطمأنت له نفوسهم، بل قال: "وما يدريكم أنها رقية حق؟ خذوها واضربوا لي معكم بسهم"؛ ليزيدهم اطمئنانًا واستئناسًا، يجعلوا له أيضًا نصيبًا مما أخذوه.

وأما المعقول: فلأن الحاجة تقتضي ذلك؛ لأنك لا تجد إنسانًا متبرعًا يرد لك ضالتك، أو يرد لك عبدك الذي شرد، أو يبني لك ما تحتاج إليه، أو يخيط لك ثوبًا، أو غير ذلك؛ ولذلك اقتضت الحاجة مشروعية ذلك.


(١) كما في الرواية التي أخرجها ابن ماجه (٢١٥٦) وفيها قال أبو سعيد الخدري: "فقلت: نعم، أنا، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنمًا".
(٢) أخرجه البخاري (٥٧٣٦)، ومسلم (٢٢٠١)،

<<  <  ج: ص:  >  >>