للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه يأخذ جعلًا ثمنًا على ذلك؛ إذًا الاستفادة مشتركة بينهما، لكن لو ذهب المجعول له وقطع المسافات الطويلة، فأفنى قدميه وعاد بخفي حُنَين (١) لا يستحق شيئًا، هذا هو مراد المؤلف.

قوله: (وَقُلْنَا عَلَى حُكْمِ الجُعْلِ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالمَنْفَعَةِ الَّتِي انْعَقَدَ الجُعْلُ عَلَيْهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ).

وقلنا إنَّ هذا الكلام على حكم الجعل؛ أي: الموضوع له الأجرة أو العوض لم يأت بالمطلوب؛ لأنه لا يستحق شيئًا، مع أنه أفنى وقتًا طويلًا.

فليست كالإجارة فإنَّ فيها تحديدًا للمسافة، وأنه يأخذ على قدر ما مضى.

قوله: (فَقَدِ انْتَفَعَ الجَاعِلُ بِعَمَلِ المَجْعُولِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْ عَمَلِهِ بِأَجْرٍ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ).

يعني: كأنه استفاد لمَّا أمضى ليالي وأيامٍ يبحث عنه وجاء بدونه، فربما يأتي به غيره، وربما الضالة نفسها تعود إلى صاحبها، إذًا تعب ولم يستفد شيئًا.

قوله: (وَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ الفُقَهَاءُ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَسَائِلِ هَلْ هُوَ جُعْلٌ أَوْ إِجَارَةٌ؟ مِثْلَ: مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ المُتَقَدِّمَةِ: هَلْ هِيَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهَا الجُعْلُ، أَوْ لَا يَجُوزُ؟ مِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ فِي المُجَاعَلَةِ عَلَى حَفْرِ الآبَارِ).


(١) يُنظر: "مجمع الأمثال" للميداني (١/ ٢٩٦) وفيه: "قال أبو عبيد: أصلُه أن حُنَينًا كان إسكافًا من أهل الحِيرة، فساوَمَه أعرابي بخُفَّين، فاختلفا حتى أغْضَبه، فأراد غَيْظَ الأعرابي، فلما ارتَحَلَ الأعرابي أخذ حنينٌ أحدَ خفيه وطَرَحه في الطريق، ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلما مرَّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا الخفَّ بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى، فلما انتهى إلى الآخر نَدِمَ على تركه الأولَ، وقد كَمنَ له حنينٌ، فلما مضى الأعرابي في طلب الأول محمد حنينٌ إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي وليس معه إلا الخُفَّانِ، فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك؟ فقال: جئتكم بِخُفَّي حُنَين، فذهبت مثلًا، ويضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>