معان سامية تدل على أهمية هذه الشريعة، وأنها إذا انغرست في قلب المؤمن واستقرت فيه واستقام قلبه عليها مخلصًا، تجرد من كل أمور الدنيا، فابتعد عن كل ما يشينه.
ولذلك جاء في هذا المرسل من بعض الطرق مطولًا ومختصرًا: أن يهود خيبر جمعوا حليًّا من حلي النساء، فقدموه فباعوه لعبد الله بن رواحة، وقالوا: على أنْ تخفِّفَ علينا القسم - أرادوا أن يرشوه - فقال لهم عبد الله بن رواحة: والله إني أقدمت من عند أحب الناس إلي، وإنكم أبغض الناس إلي، وإن بغضي لكم لا يدفعني أن أحيف عليكم. ثم ذكر أنه قال: وتريدون أن تدفعوا إلي هذا السحت لآكله؟!
ثم بين حرمة ذلك، فقالوا: بذلك قامت السماوات والأرض. هم يعلمون الحق، ويعلمون أن ما فعلوه إنما هو أمر باطل، وأن قصدهم هو الضلال، فأدركوا ما كان عليه عبد الله بن رواحه، وأنه قدم من قِبَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واثقًا به؛ ليخرص عليه، فأرادوا أن يقدموا له شيئًا، فبين لهم أنه قدم من عند أحب الناس إليه، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم أبغض الناس إليه؛ لكن بغضه لهم لا يدفعه إلى أن يحيف عليهم، أي: أن يميل عليهم.
ثم نبههم إلى خطورة ما قدموه له، وأنه سحت، وأن هذه رشوة، وأن دين الإسلام حرم الرشوة، "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش"(١)، فلما رأوا موقفه وأنه وقف عند الحق قالوا: بذلك قامت السماوات والأرض، بالعدل؛ لأنه بين لهم أن كرهه لهم لا يدفعه إلى أن يظلمهم في هذا المقام، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. وهم بذلك صادقون يعرفون الحقَّ؛ لكنهم يعرضون عنه.
(١) أخرجه أحمد (٣٧/ ٨٥)، وغيره عن ثوبان قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي والرائش"، يعني: الذي يمشي بينهما، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (١٢٣٥).