ومعلومٌ ما كان عليه اليهود ولا يزالون، فهم أهل الحيل، وأهل المكر وأهل الكذب، وهم قتلة الأنبياء، وهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهم الذين اعتدوا يوم السبت، وسيئاتهم كثيرة جدًّا، نبه الله -سبحانه وتعالى- عليها في كتابه العزيز، وأشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحذرنا من أن نقتدي بأفعالهم أو أن نسلك مسالكهم.
فينبغي على العامل أن يكون أمينًا، وأن يحافظ على ما وكل إليه، وليس ذلك في الخرص فحسب بل:"كلكم راع، وكللكم مسؤول عن رعيته"(١).
فكل مسلم مسؤول عن جماعة أو عن أفراد، عليه أن يخلص في عمله، وأن يتقي الله -سبحانه وتعالى-، وألا يحيف فيميل إلى جانب دون جانب، وإلى شخص دون شخص؛ لكون من مال إليه صاحب مكانة أو وجاهة أو نسب أو قرابة أو غير ذلك.
لا ينبغي للمسلم أن يميل إلى إنسان، بل ينبغي أن يحكم بالحق، ولذلك لما جاء ابن اللتبية الذي أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرص في الزكاة، فقال: هذا لكم وهذا لي.
لم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يعلم الناس الخير، ويرشدهم إلى طريق الهداية، ويأخذ بأيدهم إلى طريق النجاة -: ما قال ابن اللتبية؟ لم يقل هذا؛ لأن هذا منهج الإسلام؛ فالإسلام لا يُشهِّر بالمسلمين، ولا يحاول فضحهم، ولكن الإسلام يسعى إلى إصلاح النفوس وتطهيرها، دون أن يجرح أصحاب تلك الأمور، فوقف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا فقال: "ما بال
(١) أخرجه البخاري (٨٩٣)، ومسلم (١٨٢٩) عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته". قال: وحسبت أن قد قال: "والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".