للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدكم يأتي فيقول هذا لكم وهذا لي؟ هَلَّا جلس في بيت أبيه وأمه لينظر أَيُهدى إليه أم لا يهدى إليه شيء" (١).

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بَيَّن المنهج، فهذا عبد الله بن رواحة قد تربى في مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونهل من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فارتوى منها وتغذى غذاءً كاملًا فاستقام أمره وصلح قلبه، فجاء عمله موافقًا لذلك، هكذا الصحابة - رضي الله عنهم -، وكثيرًا ما ننبه إلى هذا، فإنهم - رضي الله عنهم - كانوا قدوة بأعمالهم قبل أن يكونوا قدوة بأقوالهم، فهم لا يضعفون أمام الدنيا، وإذا أردت أن تمتحن شخصًا فامتحنه في أمور الدنيا؛ ليتبين لك ضعفه، فمن الناس من إذا رأى الدرهم والدينار ضعفت نفسه، ومن الناس من تراه قويًّا.

وقد ذكرت قصة الإمام أحمد قبل ولم أتمها؛ فإنه -رحمه الله - ابتلي بالضراء فصبر، وابتلي بالسراء أيضًا فشكر، وقلت: إن الشيطان قد يعجز عن أن يغزو الإنسان عن طريق المال، فهو يريد أن يدفع الإنسان إلى المال، فيعزف عنه، فيدفعه إلى المنصب فيبتعد عنه، فيسلك مسلكًا آخر ليبث فيه العُجْب بنفسه، بأنه فلان لا مثلَ له، وهذا ما حصل بالنسبة للإمام أحمد، فإن الإمام أحمد -رحمه الله - لما خرج من السجن أكْرِم، بدأ الناس يتكلمون: الإمام أحمد فعل وفعل. وكانوا يقولون: "أبو بكر يوم الردة، وأحمد يوم الفتنة" (٢)، يعني: فتنة خَلْق القرآن، فلم يغير ذلك من


(١) أخرجه البخاري (٦٩٧٩) عن أبي حميد الساعدي، قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا". ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أمَّا بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول: "اللهم هل بلغت" بصر عيني وسمع أذني.
(٢) يُنظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١١/ ٢٠١) وذكر بسنده إلى المزني أنه قال: "أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>