للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن الخرص حكم شرعي، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقره، لكن له أهله، وهم أهل الخبرة؛ لأن الذي يخرص ينبغي أن يكون قد مارس ذلك العمل وتعوده، ولذلك من تعود الخرص لا تجد إلا فرقًا يسيرًا بين تقديره وبين الكيل والميزان حقيقة؛ فلو أخذت إنسانًا يعمل في عمل في الميزان فتجد أنه لكثرة الممارسة لو أحضرت له فاكهة أو أرز أو غيره ليزنه، فستجده يقرب لك، يقول لك: هذا كيلو أو أكثر أو نحو ذلك، فتجد أنه يصيب في الغالب، وإن زاد فهو قليل، وإن قلَّ فهو كذلك؛ لشهرته في ذلك من كثرة ما يحمل في يده ويضع ويقيس، فأصبح عنده خبرة ودراية. كذلك الخارص، ولذلك اختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة؛ لمهارته في ذلك وخبرته (١).

• قوله: (وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِالْخَرْصِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ قِسْمَتَهَا بِالْخَرْصِ. وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ مِنَ الثِّمَارِ فِي الرِّبَوِيَّةِ، وَبَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (٢)، وَقِيلَ: يَجُوزُ بِإِطْلَاقٍ إِذِ اخْتَلَفَت حَاجَةُ الشَّرِيكَيْنِ).

لا شك أن الأحوط هو الكيل؛ فالكيل يرفع الخلاف ويزيل محل الشك، ودعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك (٣).

• قوله: (وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَابَنَةِ، وَبَدْخُلُهُ بَيْعُ الرُّطَب بِالتَّمْرِ، وَبَيْعُ الطَّعَام بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً. وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ قِسْمَتَهَا بِالْخَرْصِ تَشْبِيهُهَا بِالْعَرِيَّةِ، وَبِالخَرْصِ فِي الزَّكاةِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَأَقْوَى مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنَ الْخَرْصِ فِي مُسَاقَاةِ خَيْبَرَ مِنْ


(١) تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرسله ليخرص على اليهود.
(٢) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٥/ ٣٧٣) قال: "ص (بجزء قل، أو كثر). ش: لا مفهوم لقوله: بجزء، وإنما نبه به على أنه لا تجوز المساقاة بكيل مسمى من الثمرة، ولم يرد أنه لا بد أن يكون المأخوذ جزءًا من الثمرة، بل تجوز المساقاة على أن تكون الثمرة جميعها للعامل".
(٣) جزء من حديث أخرجه النسائي (٥٣٩٧) عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>