للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه مثَابٌ، ألا يخشى من لم يقدم خيرًا أن تنزل تلك الحادثة بأبنائه كأن يموتَ فيترك صغارًا، فيَحْتاجون فيحصل لهم ما حصل لغيرهم؟ فإذا قدمت خيرًا، فإنك سَتَجد ثمرته والله يضاعف لمن يشاء.

والشاهد هنا: أن هذه الآية فيها دلالةٌ صريحةٌ على مشروعية القسمة: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ}، أي: قسمة الميراث، وهذا دليلٌ آخر من كتاب الله عزَّ وجلَّ يدل على مشروعية القسمة.

وأما الدليل من السُّنَّة، فلم يذكر المؤلف شيئًا منها، والأدلة عليها كثيرةٌ جدًّا، وأقرب دَلِيلٍ مرَّ بنا في كتاب الشُّفعة، وهو الحديث المتفق عليه: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشُّفعة فيما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدودُ، وصُرِّفت الطرق، فلا شفعة" (١)، وهذا نص في القسمة من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا قسمت فلا شفعة.

ووجه الدلالة: ثبوت القسمة في هذا الحديث، إن قسمت فلا شفعة، وإنْ لم تقسم فإنها تكون الشفعة، إذًا هذا دليلٌ صحيحٌ صريح في ثبوت الشفعة من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وثبت أيضًا من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قسم خيبر ثمانية عشر سهمًا (٢)، وثبت أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- قسم الغنائم يوم بدر (٣)، كذلك قسمها يوم حنين، وكانت أنواعًا كثيرةً (٤).


(١) أخرجه البخاري (٢٢١٤)، وهذا لفظه، وأخرجه مسلم (١٦٠٨)، بلفظ: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به".
(٢) أخرجه أبو داود (٣٠١٠) وغيره، عن سهل بن أبي حَثْمةَ، قال: "قَسَمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خيبرَ نصفَين: نصفًا لنوائبه وحاجتِه، ونصفًا بين المسلمين، قسمَها بينهم على ثمانيةَ عشرَ سهْمًا". وصححه الأَلباني في صحيح أبي داود (ص ٢).
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الصغير (٣٩٦٣) عن الشافعي، ونسبه البيهقي أيضًا في معرفة السنن والآثار (١٣/ ١٧٩) إلى محمد بن إسحاق.
(٤) أخرجه البخاري (٣٠٦٦)، ومسلم (١٢٥٣) عن أنس، قال: "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>