للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل الثالث وهو الإجماع، فأجمعت الأمة على مشروعيتها (١)، فالقسمةُ ثَابتةٌ في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وفي سُنَّة رَسُوله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمعت الأمة على ذلك، والحاجة أيضًا داعية إليها.

والدليل العقلي أيضًا يدل على قيامها، وهُوَ ما يُعْرف بالقياس، هذا بالنِّسبة لمشروعية القسمة، ولا شكَّ بأن القسمةَ لها طُرُقٌ وَمَناهجُ وكيفيةٌ، ولها أركانٌ وشروطٌ، ولها نظامٌ تقسم فيه، أما قسمة المواريث فسيأتي الكلام عنها في كتاب المواريث، وهناك قسمة الأراضي عمومًا، وهناك قسمة المكيل والموزون، وهناك أيضًا عروض التجارة، وغير ذلك من الأنواع، فما هي الطريقة التي تتم فيها القسمة؟ وهل هناك شروط أو لا؟ وهل القسمة تنقسم إلى قسمة تراضٍ وقسمة إجبارٍ (٢)؟

الجواب: نعم؛ لأنه إذا تراضى شخصان في القسمة، انتهى الأمر، لكن القسمة أحيانًا تكون قسمة إجبارٍ، أيْ: يُجْبَرُ أحد الشريكين على القسمة إذا امتنع لكن بشروطٍ؛ لأنه قد يطالب أحدهما بالقسمة، ولكن عند المطالبة بالقسمة فلا بد أولًا من ثبوت الملكية، ولا بد أن يعرف بأن هذا المقصود أو المطلوب قسمته إنَّما هو ملكٌ للمطالبين بالقسمة.


(١) قال ابن القطان: "وأجمع أهل العلم من أهل الحديث وأهل الرأي وغيرهم على أن الربح والأرض إذا كانت بين شركاء واحتملت قسمة من غير ضرر يلحق أحدًا منهم فاتفقوا على قسمته: أن قسم ذلك يجب بينهم إذا أقاموا بينة على أصول أملاكهم ". انظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" (٢/ ٢٠٦).
(٢) قسمةُ التراضي: هي التي يكون فيها ردُّ عوضٍ أو كَانَتْ فِيما لا يَكُنْ قسمتُهُ إلا بضررٍ كالدُورِ الصغَارِ والحمام والعضائدِ المتلاصِقةِ الَّتِي لا يمكِنُ قسمَةُ كُلِّ وَاحِدَة بانفرادهَا إذَا رضوا بقسمتهَا أعيانًا بالقيمةِ ومَا أشبهَ ذلِك فهذه قسمةٌ جائزة تجري مجرى البيع لا يجُوزُ فِيْهَا إلّا مَا يجوزُ في البيعِ.
أما قسمةُ الإجبارِ: فهي فيمَا يمكنُ قسمتُهُ من غَيْر ردِّ عوضٍ وَلَا ضَرَرٍ يلحَقُ بأحدِهما كالأراضي الواسِعةِ والبساتِينِ والقرايَا والدُورِ الكبارِ والمكَيلاتِ والموزُونات كلها إذَا كَانَتْ جِنسًا واحدًا. انظر: "الهداية على مذهب الإمام أحمد" للكلوذاني (ص ٥٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>