الأمر الآخر: ألَّا يترتب على ذلك ضرر، وفي قضية الضرر خلاف؛ لأن بعض العلماء يرى القسمة وَإنْ ترتَّب عليها ضرر (١)، والضرر قد يكون ضرر منفعةٍ بمعنى: تعطل المنفعة، كأن تكون دارًا ولأحدهما ثلثاها، وللآخر الثلث الباقي، فإذا قسمت أخذ الأول الثلثين، وما بقي من ثلث لا يستفيد منه الآخر، إذن زالت المنفعة، فهل زوال المنفعة يمنع القسمة؟
وَأَحيانًا يكون الضرر في القيمة، أي: تبقى المنفعة في الاستفادة، لكن تنقص القيمة، فإذا قسمت إلى قسمين تضرر أحدهما بأن نزلت قيمة هذه، وارتفعت قيمة هذه، أو بقيت إحداهما ممسكةً بقيمتها الأصلية، وانخفضت قيمة الأخرى، وهذا ضررٌ، فما هي الطريقة التي يتم بها التقسيم؟ ربما تكون السهام والقيمة متساوية، وربما تكون السهام متساوية والقيمة مختلفة، وربما تكون القيم متساوية أي: قيمة السهام متساوية والأسهم مختلفة، وربما يحصلُ خلافٌ في السهام، وخلاف أيضًا في القيمة.
ولذلك، نرَى أن بعض الفقهاء لا يفرد القسمة في باب أو كتاب مستقلٍّ، وإنما يُدرجها ضمْنَ كتاب القضاء، فيُدْخِلها فيه لما لها من علاقة وثيقة بذلك، وبخاصة إذا كَانَت الَقسمةُ قسمةَ إجبارٍ، ثم أيضًا هذه القسمة إذا قسمت وإذا كانت تحت ولاية القاضي، فالذي يتولَّى أُجرة القاسم هو بيت المال، وإذا كانت القسمة بطلبٍ من الطرفين فمن الذي يتولاها؟ هل الذي يتولاها الذي طلب أو هي موزعة بينهم؟، وفيما يتعلق عند الخلاف بقول القاسم، هل يصدق مع أنه هو الذي قسَّم أو لا يصدق؟، هذه كلها
(١) يُنظر: "اختلاف الأئمة العلماء" لابن هبيرة (٢/ ٤٠٥) قال: "اختلفوا فيما إذا طلب أحد الشريكين القسمة، وكان فيها ضرر على الآخر. فقال أبو حنيفة: إن كان الطالب للقسمة منها هو المتضرر بالقسمة لا يقسم وإن كان الطالب ينتفع بها، أجبر الممتنع منهما عليهما. وقال مالك: فحيز الممتنع على القسمة بكل حال. وقال الشافعي: إن كان الطالب للقسمة ينتفع بها أجبر شريكه الممتنع من القسمة. وإن كان عليه فيها ضرر، وإن كان الطالب للقسمة هو المتضرر فعلى قولين. وقال أحمد: لا يقسم ذلك ويباع ويقسم ثمنه بينهما".