للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم: إذا طلب أحد الشريكين القسمة فإنه يُجاب ولا يُنظر إلى الضرر؛ لأنهم يقولون: إن هذا صاحب حقٍّ وقد طالب بحقِّه فله أن يستقلَّ به، وخالف في ذلك الإمام أحمدُ وعددٌ من التابعين، وقالوا: إن هذا لا يجوز (١)، واستدلوا بقول الرسول: "لَا ضَرَر ولا ضِرَار" (٢).


= بينهما دار، لأحدهما ثلثها، وللآخر ثلثاها، فإذا قسماها استضر صاحب الثلث؛ لكونه لا يحصل له ما يكون دارًا، ولا يستضر الآخر؛ لأنه يبقى له ما يصير دارًا مفردة، فطلب صاحب الثلثين القسمة، لم يجبر الآخر عليها.
ذكره أبو الخطاب. وهو ظاهر كلام أحمد، في رواية حنبل، قال: كل قسمة فيها ضرر، لا أرى قسمتها. وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي ثور. وقال القاضي: يجبر الآخر عليها. وهو قول الشافعي، وأهل العراق؛ لأنه طلب إفرادَ نصيبه الذي لا يستضر بتمييزه، فوجبت إجابته إليه، كما لو كانا لا يستضران بالقسمة". "المغني" (١٠/ ١٠٣).
أما المسألة التي ذكرها المؤلف من جواز القسمة ولو لم يَصِرْ لواحدٍ منهم إلَّا ما لا منفعةَ فيه، مثلُ قَدْرِ القدَمِ، كما قال مالك، فمذهب الأحناف والشافعية على خلافه. قال ابن مازه: "قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كان بين رجلين حائط طلب أحدهما القسمة من القاضي وأبى الآخر، فالقاضي لا يقسمها؛ لأنه لو قسم بعد الهدم كان في الهدم إتلاف المنفعة، ولو قسم قبل الهدم بالمساحة كما تقسم الأرض كان ذلك تسببًا إلى إتلاف المنفعة، وكذلك الحمام لا يقسم بطلب بعض الشركاء؛ لأن هذه القسمة إتلاف منفعة الحمام؛ لأنه لا ينتفع به انتفاع الحمام إلا بجميعه، وإن قسموا ذلك فيما بينهم تركهم القاضي وذلك لأن الحق لهم، فيكون التدبير في ذلك إليهم ". انظر: "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (٧/ ٣٤٣).
قال ابن عابدين: "وشرطُها عدمُ فَوتِ المنفَعةِ بالقِسمةِ، ولذا لا يُقسَمُ نحو حائطٍ وحمَّامٍ ". انظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" (٦/ ٢٥٤).
وفي مذهب الشافعية، انظر: "تحفة المحتاج"، لابن حجر الهيتمي (١٠/ ١٩٧)، وفيه: "إن طلب الشركاء كلهم قسمته لم يجبهم القاضي إن بطلت منفعته، أي: المقصودة منه ".
(١) قال البهوتي: " (وإن انفرد أحدهما)، أي: الشريكين، (بالضرر كرب ثلث مع رب ثلثين) وتضرر بها رب الثلث وحده وطلب أحدهما القسمة، فلا إجبار". انظر: "شرح منتهى الإرادات" (٣/ ٥٤٥). وانظر: "المغني"، لابن قدامة (١٠/ ١٠٣).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٣٤١)، والدارقطني (٤/ ٥١)، ورواه مالك في "الموطإ" مرسلًا (٢٧٥٨). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>