للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأبَى الآخر فإنما أضرَّ بصاحبه، وقد جاء في الحديث: "لا ضرَرَ ولا ضِرار".

وأما الشافعية والحنابلة يقولون: المهايأة (١)، إنما هي معاوضة، والمعاوضة إنما تكون واجبة قياسًا على البيع، فكما أن الإنسان لا يُجبر على البيع ولا على الشراء، كذلك أيضًا لا يُجبر على المنافع، وهناك قضية أخرى لم يشرْ إليها المؤلِّف تتعلق بهذا، وهي مهمة: لو اصطلحَا واتفقَا على المهايأة ثم طلب أحدهما القسمة فهل تبطل هذه القسمة وتنتقض، وينتقل حينئذٍ إلى القسمة المعروفة التي هي قسمة الإجبار أو لا؟ وقد ذهب أبو حنيفة (٢) مذهب الشافعية (٣)، والحنابلة (٤) في هذه المسألة، فقال بقولهم وإنها تنتقض، وأما مالك فيرى أنها لا تنتقض؛ لأنه يرى أن ذلك أمر لازم قام على الإجبار فينبغي ألا تحصل قسمة حتى تنتهي المدة التي اتفق عليها، وأبو حنيفة لم يوافق مالكًا مع أنه يرى أن المهايأة إنما تقوم على الإجبار، لكنَّه رأى أنه إذا طلب أحدهم القسمة التي هي قسمة فض الاشتراك وهي الأصل، والمهايأة إنما هي طارئة، فالرجوع إلى الأصل أولى فعاد لموافقة الشافعية والحنابلة.


(١) "المهايأة" مفاعلة من الهيئة، تَهايَأَ القومُ تَهايُؤًا من الهَيئَةِ، جعلوا لكل واحدٍ هَيئةً معلومةً، والمرادُ النَّوبةُ وهايَأْتُه مُهايَأَةً، وقد تبدل للتخفيف، فيقال: هايَيْتُه مُهاياةً. انظر: "المصباح المنير" للفيومي (٢/ ٦٤٥).
(٢) قال السرخسي: "إذا طلب ما هو الأصل وهو قسمة العين لا تستدام المهايأة بينهما". انظر: "المبسوط" (٢٠/ ١٧٠).
(٣) قال النووي: "ولو رضيا بالمهايأة، ثم رجع المبتدئ بالانتفاع قبل استيفاء نوبته، مكن، فإن مضت مدة لمثلها أجرة، غرم نصف أجرة المثل، وإن رجع بعد استيفاء نوبته، فإن قلنا: لا إجبار على المهايأة مكن، وغرم نصف الأجرة، وإن قلنا بالإجبار لم يمكن، بل يستوفي الأجرة مدته ". انظر: "روضة الطالبين" (١١/ ٢١٨).
(٤) قال ابن قدامة: "إذا ثبت هذا، فإنهما إذا اتفقا على المهايأة، جاز؛ لأن الحق لهما فجاز فيه ما تراضيا عليه، كقسمة التراضي، ولا يلزم، بل متى رجع أحدهما عنها، انتقضت المهايأة". انظر: "المغني" (١٠/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>