للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ فِي اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى لظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ).

الأصل في الشهادات عند الدعاوى: البيِّنة؛ "البينة على المدعي" (١)، وهنا لا يحتاج إلى بينة؛ لأن هذا شيء ضاع من إنسان، فجاء شخص فوصفه؛ فيكفي ذكر العلامات، ولا يُطالب ببينة ولا شهود، أما الفريق الأول فيحتجون بحديث أُبي بن كعب في قصة الصرة التي وجدها (٢)، وقد تقدمت، كذلك يحتجون ببعض الأحاديث التي فيها دفعها لصاحبها إذا جاء.

قوله: (فَمَنْ غَلَّبَ الْأَصْلَ قَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ، وَمَنْ غَلَّبَ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ، قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا؛ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا" (٣)، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَدْفَعَهَا لِصَاحِبِهَا بِالْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ (٤)).

لئلا تختلط عنده بغيرها، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك في غاية البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (٥)، فهو قال: "اعرف عفاصها ووكاءها وعددها"؛ إذًا، هذا نص صريح في الأمر.


(١) أخرجه الترمذي (١٣٤١)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (١٣٤١).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) "الوِكاءُ": الذي يشدُّ به رأس القِربة أو الحبل الذي يشد به السقاء وغيره. انظر: "الصحاح" للجوهري (٦/ ٢٥٢٨) و"جمهرة اللغة" لابن دريد (١/ ٢٤٦).
(٥) قال الغزالي: "لا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلا على مذهب من يجوز تكليف المحال، أما تأخيره إلى وقت الحاجة فجائز عند أهل الحق خلافًا للمعتزلة وكثير من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الظاهر، وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي وأبو بكر الصيرفي ". انظر: "المستصفى" للغزالي (ص ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>