للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ}، وإن كانت في الآية الأخيرة هي أعم، لكن الوديعة نوع منها: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢].

*وقال عليه الصلاة والسلام: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَن ائْتَمَنَك، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (١).

إذًا، لا شك أن الوديعة أمانة، فهي نوع من أنواع الأمانات، وقد أخبر حذيفة في حديثه الطويل المتفق عليه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره بنزول الأمانة في جَذْر قلوب الرجال، وأخبره أيضًا عن ذهاب الأمانة في آخر الزمان (٢).

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وَجُلُّ المَسَائِلِ المَشْهُورَةِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ هِيَ فِي أَحْكَامِ الوَدِيعَةِ، فَمِنْهَا: أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ لَا مَضْمُونَةٌ) (٣)؛ لأن الوديعة إذا تَقبَّلها إنسان، فهو مُحسن بذلك؛ لأن


(١) أخرجه أبو داود (٣٥٣٥) وغيره، وصححه الألباني في "الصحيحة" (٤٢٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٤٩٧)، ومسلم (١٤٣/ ٢٣٠) عن حذيفة، قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا: "أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة"، وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان "، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا رده علي الإسلام، وإن كاق نصرانيًّا رده علي ساعيه، فأما اليوم: فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلانًا.
(٣) مذهب الحنفية، يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ١٣١)، قال: "الوديعة: أمانة في يد المودع إذا هلكت لم يضمنها".
ومذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير وحاشية الدسوقي" للدردير (٣/ ٤١٩) قال: "الوديعة أمانة، والأمين لا ضمان عليه ويصدق في دعواه ما لم يفرط ".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ١٢٥ - ١٢٦) قال: "والأصح=

<<  <  ج: ص:  >  >>