للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَن أراد أن يضع ماله عند أحد لا بد أن يختار ثقةً يحفظ له ماله، وهذا قليل في هذا الزمان كما سيأتي أنه في آخر الزمان يُسأل عن رجل أمين، فيقال: في قبيلة فلان، أو في بني فلان، فيُقال: ما أعقله! ما أظرفه (١)! إلى آخره، فيُستغرب أن يوجد رجل يحفظ الأمانة في ذلك الزمان، والحمد للّه لا يزال في زماننا هذا كثير من الناس ممن يحفظون الأمانة، ويحافظون عليها، وكثير من الناس في هذا الزمان -بحمد الله- فيهم الخير.

إذن، يُختار لحفظ الأمانة إنسان صالح أمين يشتهر بين الناس بتلك الصفات، ولذلك نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تُوضع عنده الأمانات لمَّا كان بمكة، ولمَّا أراد الهجرة إلى المدينة -كما أخرج ذلك البيهقي في "السنن الكبرى" وغيره- ترك تلك الأمانات التي كانت عنده عند أمِّ أيمن حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر عليَّ بن أبي طالبٍ أن يردها إلى أصحابها (٢).

فما أحسن خُلُقه عليه الصلاة والسلام! قد أُخْرجَ من بلده، واعتُدِيَ عليه، وأُخذَتْ أمواله، وغير ذلك من أنواع الأذى، ومع ذلك وضع الأمانات التي كانت عنده عند أم أيمن، وأمر عليًّا أن يردها إلى أصحابها وهم كفار.


= أنها عقد، فحقيقتها شرعًا: توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص … ولكن من عجز عن حفظها حرم عليه قبوله ".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٢/ ٣٥٢) قال: "الوديعة أمانة بيد وديع لا تضمن بلا تعد ولا تفريط؛ لأنه تعالى سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، ولو تلفت من بين ماله ولم يذهب معها شيء منه ".
(١) هو جزء من حديث حذيفة المتقدم.
(٢) لم نقف على ذكر لأمِّ أيمن في هذه القصة؛ فقد أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٦/ ٤٧٢) عن عائشة في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "وأمر تعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا أن يتخلف عنه بمكة حتى يؤدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الودائع التي كانت عنده للناس ". وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (١٥٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>