للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَن ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (١)، أي: لو خانك إنسان، فلا يجوز لك أن تعامله بمثل معاملته، بل تعامله بالأمانة.

قوله: (إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب) (٢)، اتفق العلماء على أن الوديعة أمانة لا تُضْمن إلا إذا حصل فيها تفريطَ، إلا ما أثِرَ عن عمر - صلى الله عليه وسلم - من أنه ضَمَّنَ أنس بن مالك أمانةً كانت عنده خلطها بماله فذهبت، أو ذهبت مع بعض ماله (٣).

وقَدْ أجَابَ العلماء بأن ذلك ربما حَصَل بتَفْرِيطٍ من أنسٍ - رضي الله عنه -، وإلا كيف يُضمِّنه عمر والمسألة متفق عليها بين العلماء.

إذًا، الأمين المستودع الذي توضع عنده الأمانات لا يُضمَّن إلا إذا فرَّط؛ لأنه لو كان ضامنًا لما أقبل أحدٌ على قبول أمانة أحد؛ لأنه يقدم عملًا طيبًا، وإحسانًا إلى الناس، وبرًّا إليهم، فكيف يضمن أيضًا.

قوله: (قَالَ المَالِكِيُّونَ (٤): وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِرَدِّ الأَمَانَاتِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالإِشْهَادِ)؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨]، يعني: تردُّوا الأمَانات إلى أهلها؛ لأنه شيءٌ مستأمنٌ يجب ردّهُ لأهله.

قوله: (فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ المُسْتَوْدَعُ فِي دَعْوَاهُ رَدَّ الوَدِيعَةِ مَعَ


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (١١/ ٣٠٧ - ٣١٠).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٨/ ١٨٢) عن قتادة قال: "كان عند أنس بن مالك وديعة، فهلكت من بين ماله فضمنه إياها عمر بن الخطاب، فقال معمر: لأن عمر اتهمه يقول: كيف ذهبت من بين مالك ".
(٤) يُنظر: "الجامع لمسائل المدونة" لابن يونس (١٨/ ٣٦٤) قال: وأمر تعالى أن تؤدى الأمانات إلى إهلها، ولم يأمر بالإشهاد في ردها، كما أمرنا بالإشهاد في غير ذلك من: الدين والبيع. وانظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>