للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالله -سبحانه وتعالى- قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}، فذكرَ أمرين: الميتة والدم، وهُمَا مختلفان، فأحدهما تعمل فيه الذكاة وهو الميتة، والآخر لا دخلَ للذكاة فيه؛ إذًا هما علتان وسببان مختلفان، فلماذا نُسوِّي بينهما؟ هذا ما يريد أن يدير المؤلف حديثه حوله.

قوله: (وَوَهَّنَ الشَّافِعِيُّ هَذَا المَفْهُومَ مِنَ الحَدِيثِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الكِتَابِ يَقْتَضِي أَنَّ المَيْتَةَ وَالدَّمَ نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ المُحَرَّمَاتِ).

أي: أن الميتةَ والدَّم نوعان، قال الله عزَّ وجلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣]، إلى آخر الآية، فقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، هذا واحدٌ، {وَاَلدَّمُ} هو هذا ثانٍ؛ فجاء في الآية التفريق بينهما، والشافعي يريد أن يردَّ على الذين يذهبون إلى أن السببَ في عدم نجاسة ما لا نفسَ له سائلةٌ هو الدم، فيريد أن يبطل ذلك، ويبين أنَّ الأمر غير ذلك.

قوله: (أَحَدُهُمَا تَعْمَلُ فِيهِ التَّذْكيَةُ وَهِيَ المَيْتَةُ، وَذَلِكَ فِي الحَيَوَانِ المُبَاحِ الأَكْلِ بِاتِّفَاقٍ، وَالدَّمُ لَا تَعْمَلُ فِيهِ التَّذْكيَةُ فَحُكْمُهُمَا مُفْتَرِقٌ).

إذًا، علة نجاسة الدم لا للذكاة، وإنَّما لأنه دمٌ، كما قال الله سبحانه وتعالى في الآية الأُخرى في السورة التي تلي سورة (المائدة) وهي (الأنعام): {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥]، أيْ: دمًا كثيرًا مهراقًا، {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥]، هذا شاهد لِلَّذِين يقولون بأنه لا نفسَ له سائلة.

قوله: (فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ الدَّمَ هُوَ سَبَبُ تَحْرِيمِ المَيْتَةِ؟ وَهَذَا قَوِيٌّ كمَا تَرَى).

أيْ: أنَّ الشافعِيَّ يريد أنْ يقول: كيف نجمع بين علَّتين في موضع واحدٍ هُمَا مختلفان؟ فنقول: إنَّ سببَ النجاسة انعدمَ كون ما لا نفسَ لهً سائلةٌ عدم نجاسته أنه لا نفسَ له؛ هذَا هو الذي يقوله، والأمرُ بعيدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>