عَرَفنا الفريق الَّذينَ استثنوا ما لا نفسَ له سائلة، سوَاء اسْتَثْنوه مع غيره، والمالكية والشَّافعية وَحْده، وهؤلاء يَروْن أن العلة في كون الذُّباب لم ينجس هو أنه لا دمَ له؛ لذلك فما لا نفس له سائلة علةُ عدم تنجيسه: لعدم وجود الدم، وإن وُجِدَ فإنه قليل النَّزر لا يعتبر؛ فالعلة في عدم تنجيس الذباب وما شابهه للإناء أنه لا نفسَ له سائلة، أيْ: لا يوجد فيه دمٌ يسيل، فهو قَليلٌ ومَعْفُوٌّ عنه.
وَالشَّافعية قالوا: لَيْست هي العلة، وإنما العلة بيَّنها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي أنها خاصية يختص بها الذباب؛ لأن في أحد جناحيه: داءً، وفي الآخر: دواء، وقالوا أيضًا: إنما عفونا عن ذلك وقلنا بالتجاوز عنه؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، وليس كما ذكر المؤلف على الإطلاق.
وَهَّن الشافعي، أي: ضعَّفه، وما ذكر المؤلف فَهُم المالكية والحنابلة ومَنْ معهم، وقال: ليس المفهوم من الحديث هو أنه لا نفسَ له سائلة، وإنما هناك علة أُخرى، وسَيُوَازن بعد ذلك.
(١) يُنظر: "الأم" للشافعي (١/ ١٨) حيث قال: "فأمَّا ما كان ممَّا لا نفسَ له سائلة، مثل الذباب، والخنافس وما أشبههما، ففيه قولان، أحدهما: أنَّ ما مات من هذا في ماء قليل أو كثير لم ينجسه، ومَنْ قال هذا قال: فإن قال قائل: هذه ميتة، فكيف زعمت أنها لا تنجس؟ قيل: لا تغير الماء بحال، ولا نفس لها، فإن قال: فهل من دلالة على ما وصفت؟ قيل: نعم "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَر بالذباب يقع في الماء أن يغمس فيه"، وكذلك أمر به في الطعام، وقد يموت بالغمس، وهو لا يأمر بغمسه في الماء والطعام، وهو ينجسه لو مات فيه؛ لأنَّ ذَلكَ محمد إفسادهما".