للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك، نرى أن إنسانًا قد يُكره على أمر (١)، لكن المكره ليس كل شيء يفعله بإكراه، فقد يكره بأن ينطق بكلمة الكفر وهو مخير في هذه الحالة بين أن ينطق بها أو لا ينطق، شريطة أن يكون مطمئن القلب بها (٢)، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦].

لكن لو جاء شخص ليُكره آخر على أن يزني بامرأةٍ؛ فليس له أن يفعل ذلك (٣)، ويترتب عليه جزاء، ولو جاء آخر وأكرهه على أن يشهد شهادة زور (٤)، فليس له ذلك، وبخاصة إذا كان يترتب عليها القصاص، أما أن يكرهه على أخذ مال، أو أن يقذف إنسانًا، فهنا قال العلماء: له ذلك؛ لأنه إذا أتلف المال يعود ويضمنه، ولو قذف إنسانًا سيرجع ويبين الحق فيه (٥).


(١) سيأتي فصل في أحكام الإكراه، ولكن نعجل توثيق بعض ما أثبته الشيخ.
(٢) وهذا مجمع عليه. يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (٢/ ٢٧٢). حيث قال: "واتفقوا على أن المكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يلزمه شيء من الكفر عند الله تعالى، واختلفوا في إلزامه أحكام الكفر. واتفقوا أن خوف القتل إكراه".
(٣) يُنظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ٢٠٧). حيث قال فيما يباح بالإكراه وما لا يباح: "الثالث: الزنا، ولا يباح به بالاتفاق أيضًا؛ لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره رجلًا، أو امرأة".
(٤) الإكراه على شهادة الزور، يأخذ حكم الإكراه على ما يُحكم به بهذه الشهادة.
يُنظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ٢٠٧). حيث قال فيما يباح بالإكراه وما لا يباح: "العاشر: شهادة الزور، فإن كانت تقتضي قتلًا أو قطعًا ألحقت به، أو إتلاف مال ألحقت به، أو جلدًا، فهو محل نظر، إذ يفضي إلى القتل، كذا في المطلب.
وقال الشيخ عز الدين: "لو أكره على شهادة زور، أو حكم باطل في قتل، أو قطع، أو إحلال بضع، استسلم للقتل، وإن كان يتضمن إتلاف مال، لزمه ذلك حفظًا للمهجة".
(٥) وهذا مذهب الحنفية. يُنظر: "الدر المختار وحاشية ابن عابدين" (٤/ ٤٤). حيث قال: "لو أكره القاذف على القذف لم يحد". ولا يحرم عليه عنهم. يُنظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١٦). حيث قال: "وليس كذلك عندهم الإكراه على القذف، فيجوز له =

<<  <  ج: ص:  >  >>