للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: أسكنتُكَ هذه الدار أو منحتك خدمة هذا المملوك أو هذه الدابة، والإسكان يختلف عن الهبة.

قَوْله: (فَسَوَّى مَالِكٌ بَيْنَ التَّعْمِيرِ وَالإِسْكَانِ) (١).

فلم يَرَ فرقًا بين أنْ يقول: أعمرتُكَ هذه الدار وبين أن يقول: أسكنتُكَ هذه الدار، والجمهور يُخَالفون في ذلك؛ لأن السُّكنى تختلف.

قَوْله: (وَكَانَ الحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ (٢)، يُسَوُّونَ بَيْنَ السُّكْنَى وَالتَّعْمِيرِ فِي أَنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ إِلَى المَسْكَنِ أَبَدًا عَلَى قَوْلِ الجُمْهُورِ فِي العُمْرَى. وَالحَقُّ أَنَّ الإِسْكَانَ وَالتَّعْمِيرَ مَعْنَى المَفْهُومِ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الحُكْمُ إِذَا صَرَّحَ بِالعَقِبِ مُخَالِفًا لَهُ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكرِ العَقِبِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ (٣)).

والمراد: أسكنتك هذه الدار لك ولعقبك، فكأن ذكر العقب يزيد أيضًا المعنى قوةً، وأن المراد بذلك هو الإعمار.


= وأيهما مات بطلت الإباحة … وَإِنْ قال: داري هذه اسكنها حتى تموت، فإنها ترجع إلى صاحبها؛ لأنه إذا قال: هي لك، فقد جعل له رَقبتها، فتكون عمرى، فإذا قال: اسكن داري هذه، فإنما جعل له نفعها دون رقبتها، فتكون عاريةً، ولنا أن هذا إباحة المنافع، فلم يقع لازمًا كالعارية. وفارق العمرى فإنها هبة للرقبة، فأما إذا قال: هذه لك، اسكنها حتى تموت، فإنه يحتمل لك سكناها حتى تموت.
(١) يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (٨/ ٢١) قال: صيغة العمرى ما دل على هبة المنفعة دون الرقبة كأسكنتك هذه الدار، ووهبتك سكناها عمرك "أو وارثك" من "المدونة": إن قال له: قَدْ أسكنتك هذه الدار وعقبك رجعت إليه ملكًا بعد انقراضهم، فإن مات فلأقرب الناس به يوم مات أَوْ إلى وَرَثتهم .. انتهى.
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٢٤١) قال: "وقد كان الحسن وعطاء وقتادة يُسوُّون بين العمرى والسكنى وقالوا: من أسكن أحدًا داره، لم ينصرف إليه أبدًا".
(٣) انظر: "المحلى" لابن حزم (٩/ ١٦٤) قال: العمرى والرقبى: هبة صحيحة تامة، يملكها المعمر والمرقب كسائر ماله، يبيعها إن شاء، وتورث عنه، ولا ترجع إلى المعمر، ولا إلى وَرَثته؛ سواء اشترط أن ترجع إليه أو لم يشترط، وشرطه لذلك ليس بِشَيْءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>