للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ دَمَ الحَيَوَان البَرِّيِّ نَجِسٌ) (١).

لَا خلافَ بين العُلَماء على نجاسة دم الحيَوان، كما ذكر المؤلف، فالبرِّيُّ سواءً كان مزكًّى أو غير مزكًّى، مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، فإنه نجسٌ بلا خلاف، لكن الخلاف في القليل كما سيأتي، وأظنُّ أنَّ المؤلف سيبحث مسألة يعرض فيها لقليل الدم وكثيره، ولا شك أن كثير الدم إنَّما هو نجس.

وقد نصَّ اللهُ سبحانه وتعالى علَى ذلك بقوله: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}، إذًا فالدم المسفوح هو السائل، وهو نجس، لكن قليل الدم فيه كلَام كثير للعلماء، وأظن أنَّنا عرَضْنا لشيءٍ مِن ذلك عندما تحدَّثنا عن نواقض الوضوء، وأشرنا إلَى أنَّ بعض الصَّحابة كان يُدْخِلُ أُصبُعَيْهِ في أنفه فيخرج منه الدم، وَربَّما بَعْضهم بصَق دمًا، وَتَحَدَّثنا هنَاك عن التَّخفيف وأحكامِهِ، ومَا يُخفَّف، هذَا سيأتي في قليل الدم، إنَّما حديث المؤلف هُنا عن الدَّم الكثير، هل هناك فرقٌ بين الحيوان البَرِّيِّ والبَحرِي؟ فالحيوان البَرِّي معروف، ومنه ما يُؤْكل، ومنه ما ليس بمأكولٍ، والبحري معروفٌ وهو السَّمك والحوت؛ فهل يلحق دم الحيوان البحري بدم الحيوان البري، أو أنه يَلْحق بما أباح الله سبحانه وتعالى في قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} [المائدة: ٩٦]؟ فدمُهُ يلحق به.

قال: (وَاخْتَلَفُوا فِي دَمِ السَّمَكِ (٢)، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الدَّمِ القَلِيلِ


(١) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ٤٩) حيث قال: "لا يختلف المذهب في نجاسة الميتة قبل الدبغ، ولا نعلم أحدًا خالف فيه ".
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "الدر المختار" وحاشية ابن عابدين "رد المحتار" (١/ ٣٢٢) حيث قال: " (قوله: وعفي دم سمك) صرح بالفعل إشارة إلى أن قول المصنف: ودم سمك … إلخ، معطوف على قوله: "دون ربع ثوب ". (قوله: والمذهب طهارتها)، والمذهب أن دم السمك طاهر؛ لأنه دم صورة لا حقيقة، وأن سؤر هذين طاهر قطعًا، والشك في طهوريته، فيكون لعابهما طاهرًا. وانظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>