للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ هَلْ يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ؟).

وهذه مسألة أخرى، إنسان دعى إنسانًا آخر غير مسلم إلى الإسلام فهل يكون له ولاؤه مقابل أنه كان سببًا في دخوله في هذا الدين العظيم الذي خالط بشاشة قلبه فالتحق به، ولا شكَّ أن هذه نعمة من نعم الله ومن أجلِّ ما يتقرب به المسلم إلى الله -سبحانه وتعالى- ومما يرفعه درجات؛ ولذلك لمَّا أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بن أبي طالب وقبله لما قال:

"لأعطين الراية غدًا رجلًا يحبُّه الله ورسوله ويحب الله ورسوله "، فارتفعت وتطلعت أعين الصحابة وارتفعت أعناقهم من يكون ذلك؟ فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن علي بن أبي طالب فقيل: إنه أرمد، فدعاه فبسق في عينه فبرئ، والشاهد أنه قال: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمر النعم" (١)، والمقصود بـ "حُمر النعم" الإبل، وكانت أغلى وأثمن تجارة عند العرب في ذاك الوقت، فهي التي كان يُضرَب بها المثل، فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمر النعم " (٢)، ففي ذلك فضل عظيم فما بالكم فيمن يهدي به الله -سبحانه وتعالى- على يديه عددًا من الناس، فإذا دعى مسلم غيره إلى الإسلام فأسلم على يديه فهو صاحب فضل وإحسان وسينال جزاء ذلك من الله -سبحانه وتعالى-، أما ذاك الأول (الرقيق) فإنه يختلف؛ لأنه كان كالمقيد كالطير الذي وُضِع في قفص وأُغلِق عليه ثم فُتِح ذلك القفص فأصبح يحلق في جوِّ السماء، فالأمر يختلف، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء؛ هل يكون له الولاء أو لا يكون؟ أما الأجر والثواب فأجره بلا شكٍّ عظيم وهو عند الله -سبحانه وتعالى- أيضًا مدون أو مسجل له في سجل حسناته.


(١) أخرجه البخاري (٢٩٤٢)، ومسلم (١٨٠٧).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>