للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَنْصَارِيِّ -وَكَانَ عَامِلًا لَهُ-، فَإِذَا فِيهِ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مِنْ قِبَلَكَ أَنْ يُفَادُوا أَرِقَّائِهِمْ عَلَى مَسْأَلَة النَّاسِ ". فله أن يكاتبه ويتفق معه أن لا يسأل الناس (١)، وقد مَرَّ أن بريرة كوتبت، وهي لا تملك شيئًا، وكذلك جويرية (٢).

قوله: (وَأَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ: "أَنَّهَا كُوتِبَتْ أَنْ تَسْأَلَ النَّاسَ ").

ليس هذا الأثر في الكتابة كما يفهم من كلام المؤلف من أنها كوتبت لتسأل الناس، وقد جاء بها جملة تعليلية؛ أي: أنها كوتبت لأجل أن تسأل الناس، والصحيح: أنهم كاتبوها، ولم تفعل هي ذلك، لكن لم يرد في النص أنهم كاتبوها على أن تسأل الناس؛ بدليل أنها أول ما ذهبت ذهبت إلى عائشة، وقد أحسنت الاختيار في ذلك، فعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وعن أبيها، ولا يفهَم بأن عائشة - رضي الله عنها - وقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءت إليه جويرية تطلب منه أن يعينها فأعانها، أو عائشة عندما أعانت بريرة أن ذلك جاء عن غنًى، فالحالة كانت جفافًا (٣)؛ فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: "ابْنَ أُخْتِي؛ إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ"، فَقُلْتُ: "يَا


(١) سبق تخريج الأثر.
(٢) سبق تخريج الحديثين، وهما دليلان على جواز مكاتبة من لا كسب له.
(٣) بل إن من استدل بحديث بريرة وجويرية على جواز مكاتبة من لا كسب له دليله ظاهر في هذه المسألة، والذين ذهبوا إلى كراهة ذلك قالوا بهذه الدلالة المستنبطة من هذين الحديثين، إلا أنهم قالوا بالكراهة لأمر آخر.
قال ابن قدامة: "وينبغي أن ينظر في المكاتب، فإن كان ممن يتضرر بالكتابة ويضيع؛ لعجزه عن الإنفاق على نفسه، ولا يجد من ينفق عليه، كرهت كتابته، وإن كان يجد من يكفيه مؤنته، لم تكره كتابته؛ لحصول النفع بالحرية من غير ضرر، فأما جويرية؛ فإنها كانت ذات أهل، ومال وكانت ابنة سيد قومه، فإذا عتقت، رجعت إلى أهلها، فأخلف الله لها خيرًا من أهلها، فتزوجها رسول الله، وأما بريرة؛ فإن كتابتها تدل على إباحة ذلك، وأنه ليس بمنكر، ولا خلاف فيه ". انظر: "المغني" (١٠/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>