للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُزِيلُهَا مِنَ المَخْرَجَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ المَائِعَاتِ وَالجَامِدَاتِ الَّتِي تُزِيلُهَا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَا كَانَ طَاهِرًا يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ؛ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تُزَالُ النَّجَاسَةُ بِمَا سِوَى المَاءِ إِلَّا فِي الاسْتِجْمَارِ فَقَط المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي إِزَالَتِهَا فِي الاسْتِجْمَارِ بِالعَظْمِ وَالرَّوَثِ، فَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ، وَأَجَازَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُنَقِّي، وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مَطْعُومٌ ذُو حُرْمَةٍ كَالخُبْزِ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِيمَا فِي اسْتِعْمَالِهِ سَرَفٌ كالذَّهَبِ وَاليَاقُوتِ. وَقَوْمٌ قَصَرُوا الإِنْقَاءَ عَلَى الأَحْجَارِ فَقَطْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَقَوْمٌ أَجَازُوا الاسْتِنْجَاءَ بِالعَظْمِ دُونَ الرَّوَثِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عِنْدَهُمْ، وَشَذَّ الطَّبَرِيُّ، فَأَجَازَ الاسْتِجْمَارَ بِكُلِّ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ).

سبق قول الحنفية بأنه يُنقَّى ويجفَّف، وَهُوَ كافٍ في ذلك.

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِمَا عَدَا المَاءَ فِيمَا عَدَا المَخْرَجَيْنِ هُوَ: هَلِ المَقْصُودُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالمَاءِ هُوَ إِتْلَافُ عَيْنِهَا فَقَطْ).

المُؤلِّف بَحثَ المسألةَ بحثًا عقليًّا، وقَدْ بينت ذلك، ومسائله في هذا الأمر كثيرةٌ جدًّا، وقد ذكرنا أدلة الحنفية، وكذلك أدلَّة الجمهور، وأَصْرح دَلِيلٍ للحنفية ومَنْ معهم؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-: "ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد، إذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها أو بلته بريقها فقصعته" (١)، يعني: أذهبته.

قوله: (فَيَسْتَوِيَ فِي ذَلِكَ مَعَ المَاءِ كُلُّ مَا يُتْلِفُ عَيْنهَا؟ أَمْ لِلْمَاءِ فِي ذَلِكَ مَزِيدُ خُصُوصٍ لَيْسَ بِغَيْرِ المَاءِ، فَمَنْ لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُ لِلْمَاءِ مَزِيدُ


(١) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>