للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلًا جَيِّدًا، وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ، بَلْ لَعَلَّهُ وَاجِبٌ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ غَسْلَ النَّجَاسَةِ بِالمَاءِ لِهَذِهِ الخَاصِّيَّةِ الَّتِي فِي المَاءِ).

قَالُوا ذَلكَ عندما أَوْرَدوا الآيتين {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال: ١١]، قالوا ذلك وبيَّنوا أنَّ هذه مِنَّةٌ مِن الله سُبْحانه وتعالى على عباده أن امتَنَّ عليهم بإنزال الماء ليطهِّرَهُم به، وأن هذه خاصيَّة للماء، ولو لم تكن خاصية للماء بأنْ شاركه فيه غيره؛ لما كان هذا الكلام الذي قالوا.

قوله: (وَلَوْ كانُوا قَالُوا هَذَا لَكَانُوا قَدْ قَالُوا فِي ذَلِكَ قَوْلًا هُوَ أَدْخَلُ فِي المَذْهَبِ الفِقْهِ الجَارِي عَلَى المَعَانِي، وَإِنَّمَا يَلْجَأُ الفَقِيهُ إِلَى أَنْ يَقُولَ: "عِبَادَةً"، إِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ المَسْلَكُ مَعَ الخَصْمِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ بَيِّنٌ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي أَكْثَرِ المَوَاضِعِ).

الحقيقة أن المؤلف هنا لم يقف بدِقَّةٍ علَى مذهب الشافعية، وتفصيل آرائهم في ذلك، وقد أشَرْنَا إلى أنه لا حاجة لذكر الحنفية والشافعية وأيضًا الحنابلة في ذلك، وكلٌّ منهم ذكر هذا وفصَّله.

قوله: (وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الرَّوَثِ: فَسَبَبُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي المَفْهُومِ مِنَ النَّهْيِ الوَارِدِ فِي ذَلِكَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَعْنِي أَمْرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَلَّا يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ، وَلَا رَوْثٍ" (١)، فَمَنْ دَلَّ عِنْدَهُ النَّهْيُ على الفَسَادِ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إِذْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَعْنًى مَعْقُولًا، حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الكَرَاهِيَةِ، وَلَمْ يَعْدُهُ إِلَى إِبْطَالِ الاسْتِنْجَاءِ بِذَلِكَ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ العِظَامِ وَالرَّوَثِ، فَلِأَنَّ الرَّوَثَ نَجِسٌ عِنْدَهُ).


(١) أخرجه النسائي (٣٩) عن عبد الله بن مسعود أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نهى أن يستطيب أحدكم بعظم أو روث".

<<  <  ج: ص:  >  >>