أَقُولُ: إنَّ المُؤلِّفَ لم يَقِفْ على حُجَج الشافعيَّة بدِقَّةٍ؛ ولذلك ما كان يحتاج إليه؛ لأن -كما قلت- العكس صحيح، فالشافعية هم الذين ألْجَمُوا الحنفية الحجة، وقالوا: إن الذي ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بإزالة النجاسة به، ولم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنْ أمر وأزال النجاسة بغيره إلَّا في مواضع خاصة مستثناة، وهي التي مرت بنا بالنسبة للمَخْرَجَيْن، وهذا فيه تخفيف؛ لأن أثر النجاسة باقٍ، ولن تنتهي النجاسة بعد، لكنها مخففة، ولذلك أثنى الله تعالى على أهل قباء بقوله:{فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}[التوبة: ١٠٨]؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء (١).
قَصْده هنا ليست طهارةً حكميةً، بل فَسَّرها شرعيةً، يعني يريد أن القصدَ من إزالة النجاسة هو النظافة بعكس رفع الحدث (الطهارة الحكمية)، فإنها -كما قلنا- عبادة غير معقولة المعنى.
(١) أخرجه أبو داود (٤٤) عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} "، قال: "كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (٤٥).