للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمهور العلماء (١) على أن قوله: "إنما الأعمال بالنيَّات"، لَيْسَ المَقْصُودُ به نَفْيَ صورة الأعمال، وَإنَّما يُقْصَد بها نَفْيُ صحَّتها إذا لم تَصْحَبْها النيَّة، فالأَعْمَالُ مُعتبَرة بالنيَّات، ولَا تَصحُّ إلَّا بِهَا، أمَّا صُورَة الأعمَال، فَهي مَوْجُودةٌ؛ سواء صَحِبَتْهَا النِّيَّة، أَوْ لَمْ تَصْحَبْهَا.

أمَّا الأَحْنَافُ، فَيُقَدِّرُونَهَا بكَمَال الأَعْمَال (٢)، وَعَلَى هَذَا التَّقدير يَسْتندُونَ في قَوْلهم باستحباب النيَّة في الوُضُوء لا اشتراطها.

إذن: لماذا انفردَ الحَنفيَّة عَنْ غَيْرهم من الفُقَهاء في ذَهَابهم إلى عدَم اشتراط النيَّة؟

الجَوابُ: الحنفيَّة يَقُولون (٣): إنَّ صورةَ الفعل كَافيةٌ في الوُضُوء، فالمكلَّف إذا قَامَ فَتَوَضَّأَ، وأتَى بأَفْعَال الوُضُوء علَى وَجْهها، حِينَئذٍ يَكُون


(١) مذهب المالكية، يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٢/ ٤١٨) حيث قال: " (وصحته مطلقًا بنية مبيتة، أو مع الفجر)، ش: يعني أن شرط صحة الصوم مطلقًا … أن يكون بنِيةٍ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الأعْمَالُ بالنيَّات".
مذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (١/ ١٩٥) حيث قال: "والأصل في وجوب النية الحديث المتفق عليه: "إنما الأعمال"، أي: إنما صحَّتها لإكمالها".
مذهب الحنابلة، يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٥١/ ١) حيث قال: "إنَّما الأعْمَالُ بالنيَّات"، أيْ: لا عمل جائز، ولا فاضل إلا بها".
(٢) يُنظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (١/ ٢٦) حيث قال: "فالتقدير: حكم الأعمال بالنيَّات من إطلاق اسم السَّبب على المسبب، أو من حَذْف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، والحُكْمُ نَوْعَان مختلفان:
أحدهما: أُخرويٌّ، وهو الثواب والإثم، وهو بناء على صدق العزيمة وعدمه.
والثاني: دنيويٌّ، وهو الجواز والفساد هو بناء على وجود الأركان والشرائط وعدمها".
(٣) يُنظر: "فتح القدير" للكمال بن الهمام (١/ ٣٢) حيث قال: "وأما الوجه فمنه أن الوضوءَ لا يقَع بلا نِيَّةٍ إلا بالفعل مع الغفلة والذهُول؛ إذ الفعل الاختياري لا بدَّ في تحقيقِهِ من القصد إليه، وهو إذا قصد الوضوء، أَوْ رفع الحدث، أو استباحة مَا لا يحلُّ إلا به، كان منويًّا".

<<  <  ج: ص:  >  >>