للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أدَّى الوضوءَ الذي أمَره الله -سبحانه وتعالى - فيه، فالصُّورة عندهم كَافيةٌ في هذا الأدَاء دون الحاجة إلى النِّيَّة.

أمَّا الجُمْهورُ فيَقُولونَ (١): الصورة بمُجرَّدها لا تكفى، ولَا يُسْتَغْنَى بها عن النيَّة؟ لوجود لَبْسٍ بين هذه العبادة وبين غَيْرها.

وأمَّا القياس: فهناك جُمْلةٌ من الأَقْيِسَةِ، منها على سَبيل المثال:

القياس الأول: قيَاس الوُضُوء على التيمُّم (٢)، حَيْثُ قَالَ الجُمْهورُ: الوُضُوءُ طَهارةٌ تُستَبَاح بها الصَّلاةُ، فاشتُرطَت فيها النِّيةُ قياسًا على التيمُّم؛ لأن الحنفيَّة يتَّفقون مع جُمْهور العلماء بأن التيمُّم تُشترَط فيه النية.

وَيجيب الحنفيَّة عن هَذَا بأنَّهمْ يُعلِّلون مَذْهبَهم في التيمُّم بقَوْل الله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]، وأن التيمُّم معناه: القَصْد (٣)، والقَصْد هو النيَّة، فكأنَّ النيَّة مَذْكورةٌ نَصًّا في التيمُّم، ثمَّ يَقُولون: إنَّ اِلِتيمُّمَ بدلٌ، والبدلُ أضعفُ من المُبدَل، فيحتاج إلى ما يُقَوِّيه، فلا بد من نِيَّةٍ.

أمَّا الجُمْهورُ، فيردُّون عَلَيهم بأنَّ هذا غير مُسلَّمٍ، لأنَّ الوُضُوءَ


(١) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٢٣٢) حيث قال: "فإن الوضوء سببٌ في رفع الحدث، فإذا نوى رفع الحدث، ارتفع وصح الوضوء، ولما كانت حكمة مشروعيتها ما ذكر، كانت القرب التي لا لبسَ فيها لا تحتاج إلى نِيَّةٍ".
(٢) مذهب المالكية، يُنظر: "المقدمات الممهدات" لأبي الوليد ابن رشد (١/ ٧٥)، حيث قَالَ: "ومن طريق القياس على مَنْ فرَّق في ذلك بين الوضوء والتيمم أن الوضوءَ طهارةٌ تَتَعدَّى محل موجبها، فافتقرت إلى النيَّة كالتيمُّم".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (١/ ١٦٩)، حيث قَالَ: "وجه الاكتفاء فيه بنِيَّةِ الاستباحة القياس على التيمم بجامع بقاء الحدث".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٩٠) حيث قَالَ: " (ويجب الإتيان بها)، أي: بالنيَّة (عند أَوَّلِ وَاجِبٍ) في الوضوء أو الغسل أو التيمم أو غيرها من العبَادَات".
(٣) يُنظر: "فتح القدير" للكمال بن الهمام (١/ ١٣٥) حيث قال: "وَإنَّما المقصود أن لفظَ التيمُّم وهو الاسم الشرعي يُنْبئ عن القصد".

<<  <  ج: ص:  >  >>