للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفس فيزهقها بغير حق، أما القتل بحق فهذا ما شرعه الله سبحانه، فالأصل في القتل الحرمة، وقد دل على ذلك الكتاب والسُّنة والإجماع.

فمن الكتاب: قوله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)} [البقرة: ١٧٨]، وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢]، وقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)} [النساء: ٩٣]، وهذه الآية من أشد الآيات في تحريم القتل، وفي بيان شدة عقوبته، وغضب الله سبحانه ولعنه لمن يقتل مؤمنًا ظلمًا وعدوانًا، ولذلك جاء عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "توبة القاتل لا تقبل؛ لأن هذه الآية من آخر ما نزل" (١)، ولأنه خبر، والأخبار لا يدخلها النسخ (٢).


(١) ذكره الشيخ رحمه الله بمعناه، وهما أثران عن ابن عباس؛ فأما الأول؛ فأخرجه البخاري (٤٧٦٤) عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن قوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] قال: "لا توبة له "، وعن قوله جل ذكره: {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨]، قال: "كانت هذه في الجاهلية".
وأما الثاني؛ فأخرجه البخاري أيضًا (٤٧٦٣)، عن سعيد بن جبير، قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيه إلى ابن عباس، فقال: "نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شيء".
(٢) اختلفت الروايات عن ابن عباس في النسخ وعدمه، وقد تعرض لها الحافظ ابن حجر، فأجاد. يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٨/ ٤٩٦)، حيث قال: "وحاصل ما في هذه الروايات: أن ابن عباس كان تارةً يجعل الآيتين في محل واحد، فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارةً يجعل محلهما مختلفًا، ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في (الفرقان) خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمدًا، وكثير من السلف=

<<  <  ج: ص:  >  >>