للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكثر العلماء على أن القاتل تقبل توبته إذا تاب (١)، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها: قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٢)، قالوا: هذا دليل على أن الله تعالى لا يغفر لمن يموت مشركًا، أما من ارتكب معصية دون الشرك فإن ذلك تحت مشيئة الله عز وجل.

وقوله سبحانه: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، قالوا: والقتل داخل في الذنوب.

واستدلوا كذلك بما جاء في "الصحيحين" عن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: "إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا؛ فهل له من توبة؟ " فقال: "لا"، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: "إنه قتل مائة نفس؛ فهل له من توبة؟ " فقال: "نعم؛ مَن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء" فانطلق، حتى إذا نصف الطريق فأتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: "جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب: "إنه لم يعمل خيرًا قط "، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: "قِيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له "،


= يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض، وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه ".
(١) يُنظر: "فتح الباري " لابن حجر (٨/ ٤٩٦)، حيث قال: "وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد من ذلك على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره ".
وراجع للفائدة "فتح الباري" لابن حجر (٦/ ٥١٨).
(٢) جزء من آية في موضعين من سورة النساء: [٤٨، و ١١٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>