للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (١): إِذَا اشْتَرَكَ مَنْ يجِبُ عَلَيْهِ القِصَاصُ مَعَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ القِصَاصُ؛ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ، وَعُمْدَةُ الحَنَفِيَّةِ: أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ؛ فَإِنَّ القَتْلَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ إِفَاتَةُ نَفْسِهِ مِنْ فِعْلِ الَّذِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِ ذَلِكَ مِمَّنْ عَلَيْهِ القِصَاصُ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" (٢)، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الدَّمُ، وَجَبَ بَدَلُهُ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَعُمْدَةُ الفَرِيقِ الثَّانِي: النَّظَرُ إِلَى المَصْلَحَةِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ لِحَوْطَةِ الدِّمَاءِ؛ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْفَرَدَ بِالقَتْلِ، فَلَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ فِي القِيَاسِ).

فعند الحنيفية يسقط القصاص للشبهة؛ إذ لا يُدرى يقينًا من الذي قتل، والقصاص لا يتبعض فنصير إلى البدل وهو الدية، واستدلوا على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود بالشبهات " (٣)، وبقوله: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم "، كما لو وقع إنسان على جارية مشتركه مع آخر، ظنًّا منه أنه يجوز له ذلك، فهذا فيه شبهة يُدرأ الحد بها.

لكن هل مسألة الباب تعتبر من الشبهات؟ أو مما ينبغى أن تستخدم فيه القوة من باب الردع وصيانة الدماء المؤمنين؟ وهذا ما ذهب إليه الفريق الأول؛ حيث نظر إلى المصلحة التي تقتضي التغليظ في العقوبة، حتى لا يتساهل في أمر الدماء.


(١) يُنظر: "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصليب (٢٨/ ٥)، حيث قال: "ولا قصاص على شريك الأب، والمولى، والخاطئ، والصبي، والمجنون، وكل من لا يجب القصاص بقتله ".
(٢) لم أجده مرفوعًا بهذا اللفظ، ولكن أخرج الترمذي (١٤٢٤) عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (ص ١٦٣).
(٣) انظر الحاشية السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>