للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَالَ قَوْمٌ: يُقْتَلُ الحُرُّ بِالعَبْدِ؛ سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدَ القَاتِلِ أَوْ عَبْدَ غَيْرِ القَاتِلِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ (١).

قال: يُقْتل به؛ لعموم النصوص، ولقَوْله -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ" (٢)؛ ولأنه معصوم قتل ظلمًا، فيجب القصاص على قاتلِهِ كالحرين والعبدين.

- قوله: (فَمَنْ قَالَ: لَا يُقْتَلُ الحُرُّ بِالعَبْدِ، احْتَج بِدَلِيلِ الخِطَابِ المَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨]).

قال الرازي في "تفسيره" (٣): "واحتجوا عليه بوجوهٍ:

الأوَّل: أن الألفَ واللامَ في قوله: {الْحُرُّ} تفيد العموم فقوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} يفيد أن يقتل كل حرٍّ بالحر، فلو كان قتل حرٍّ بعبد مشروعًا، لكان ذلك الحرُّ مقتولًا لا بالحرِّ، وذلك ينافي إيجاب أن يكون كل حرٍّ مقتولًا بالحر.

الثاني: أنَّ الباءَ من حروف الجر، فيكون متعلقًا لا محالة بفعلٍ، فيكون التقدير: الحر يقتل بالحر، والمبتدأ لا يكون أعمَّ من الخبر، بل إما أن يكون مساويًا له، أو أخص منه، وعلى التقديرين فهذا يقتضي أن يكون كلُّ حرّ مقتولًا بالحرِّ، وذلك ينافي كون حر مقتولًا بالعبد.

الثالث: وهو أنه تعالى أوجب في أول الآية رعاية المماثلة، وهو قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}، فلما ذكر عَقيبه قوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}، دل ذلك على أن رعايةَ التسوية في الحرية والعبدية معتبرة؛


(١) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٧٥)؛ حيث قال: "وبه قال: … وإبراهيم النخعي … ".
(٢) أخرجه أبو داود (٢٧٥١).
(٣) "مفاتيح الغيب" (٥/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>