للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجصاص: "وذَلك بحضرة الصحابة من غير خِلَافٍ ظهر من أحدٍ منهم عليه، فَصَار إجماعًا" (١).

- قوله: (وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ (٢): لَا تُقْتَلُ الجَمَاعَةُ بِالوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ (٣)، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ (٤)، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ (٥)، وَكَذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ لَا تُقْطَعُ أَيْدٍ بِيَدٍ -أَعْنِي: إِذَا اشْتَرَكَ اثْنَان فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ يَدٍ- وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ الأَيْدِي بِاليَدِ، وَفَرَّقَتِ الحَنَفِيَّةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالأَطْرَافِ، فَقَالُوا: تُقْتَلُ الأَنْفُسُ بِالنَّفْسِ، وَلَا يُقْطَعُ بِالطَّرَفِ إِلَّا طَرَفٌ وَاحِدٌ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي بَابِ القِصَاصِ مِنَ الأَعْضَاءِ، فَعُمْدَةُ مَنْ قَتَلَ بِالوَاحِدِ الجَمَاعَةَ النَّظَرُ إِلَى المَصْلَحَةِ، فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ أَنَّ القَتْلَ إِنَّمَا شُرعَ لِنَفْيِ القَتْلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الكِتَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩]، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ تُقْتَلِ الجَمَاعَةُ بِالوَاحِدِ لَتَذَرَّعَ النَّاسُ إِلَى القَتْلِ بِأَنْ يَتَعَمَّدُوا قَتْلَ الوَاحِدِ بِالجَمَاعَةِ).

مَعْنى ذلك: أنَّ الجمَاعة تُقتل بالواحد؛ صيانةً للدماء، ولو لم يُفْعل ذلك، سقط القصاص؛ لأن كل مَنْ أراد قتل غيره، يشارك غيره فيه (٦).


(١) "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (٥/ ٣٧٥).
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٥٧)؛ حيث قال: "وقال داود: لا تُقْتل الجماعة بالواحد، ولا يقتل بنفسٍ واحدةٍ أكثر من واحدٍ، وهو قول ابن الزبير".
(٣) أخرج عبد الرزاق (١٨٠٨٥)، عن عمرو بن دينار قال: "كان ابن الزبير وعبد الملك لا يقتلان منهم إلا رجلًا واحدًا، وما علمت أحدًا قتلهم جميعًا إلا ما قالوا في عمر".
(٤) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٨/ ١٥٧)، حيث قال: "قال معمر عن الزهري: لا يقتل الرجلان بالرجل، ولا تقطع يدَان بيد".
(٥) لم أقف عليه.
(٦) "التجريد" للقدوري (١١/ ٥٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>