للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبيَّن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ما جاء في كتاب الله هو القصاص (١).

- قوله: (وَعُمْدَةُ الفَرِيقِ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ" (٢)، هُمَا حَدِيثَان مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِمَا، لَكِنَّ الأَوَّلَ ضَعِيفُ الدِّلَالَةِ قِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا القِصَاصُ، وَالثَّانِي: نَصٌّ فِي أَنَّ لَهُ الخِيَارَ، وَالجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُمْكِنُ إِذَا رُفِعَ دَلِيلُ الخِطَابِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الجَمْعُ وَاجِبًا وَمُمْكِنًا فَالمَصِيرُ إِلَى الحَدِيثِ الثَّانِي وَاجِبٌ. وَالجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الجَمْعَ وَاجِبٌ إِذَا أَمْكَنَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، وَإِذَا عُرِضَ عَلَى المُكَلَّفِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِمَالٍ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهَا، أَصْلُهُ إِذَا وَجَدَ الطَّعَامَ فِي مَخْمَصَةٍ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ، وَعِنْدَهُ مَا يَشْتَرِيهِ (أَعْنِي: أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِشِرَائِهِ)، فَكَيْفَ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ؟).

استدل أصحاب القول الثاني -وهو الراجح- بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو نص صريح في المسألة.

ولاحظ هنا أن المؤلف رحمهُ اللهُ لم يتعصب لمذهبه المالكي في هذه المسألة، بل ضعف احتجاج المالكية، وقوله: "وإذا عرض على المكلف فداء نفسه بمال فواجب عليه أن يفديها"، إشارة إلى أن الإنسان يفدي نفسه


(١) مراد الشيخ: أن هذه الصورة من صور موانع اعتبار مفهوم المخالفة؛ فإنه هنا وارد على جواب طلب أهل الجارية التي كُسِر سنها القصاص، فبين لهم أن حكم الله القصاص، وليس حديثًا عامًّا.
(٢) جزء من حديث أخرجه الشيخان في عدة مواضع، منها: البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥).
تنبيه: لم أجد لفظ المصنف: "بين أن يأخذ الدية، وبين أن يعفو" عند أحد، والغالب أنه رواه بالمعنى، وقد رواه البخاري ومسلم بألفاظ متقاربة: "إما يودى وإما يقاد"، "إما أن يفدى وإما أن يقيد"، "إما أن يعطى -يعني الدية-، وإما أن يقاد - أهل القتيل"، ويُلحظ أن التخيير في الحديث بين القصاص، والدية لا العفو.

<<  <  ج: ص:  >  >>