أشار المؤلف هنا إلى مسألة مهمة؛ وهي إذا عفا الأولياء عن القاتل عمدًا؛ هل يبقى للسلطان حق فيه أم لا؟
فذهب مالك والليث إلى أنه يبقى للسلطان حق، فيحبس سنة ويجلد مئة، استنادًا إلى أثر روي في ذلك عن عمر -رضي الله عنه-.
كما أن المالكية بنوا ذلك على الاستصلاح -أي: المصالح المرسلة- فإذا عفى ولي الدم فللإمام أن يؤدبه من قبيل المصلحة.
وذهب الجمهور إلى أنه لم يبق للسلطان حق، وليس على القاتل شيءٌ من ذلك؛ لأن هذا حق للولي فسقط بإسقاطه، وهو حق واحد لا يتجزأ.
وعلة هذا القول: أن إيجاب أي حكم شرعي لا يكون إلا بنص أو قياس صحيح، وهذا غير متحقق هنا، وأجابوا عن أثر عمر -رضي الله عنه- بأنه ضعيف لا تقوم به حجة.
وذهب أبو ثور رحمهُ اللهُ إلى أنه لا يجب على القاتل شيء، إلا إذا كان معروفًا بالشر؛ فللإمام أن يؤدبه على قدر ما يرى.
(١) الأثر المشار إليه هو أثر عمر السابق، ولعله استفاد تضعيفه من قول ابن عبد البر في "الاستذكار": "وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من وجوه"؛ فإن "رُوي" من صيغ التضعيف، وقد قدمت الكلام على إسناده، إلا أن قوله: "من وجوه" قد يكون فيه إشارة إلى تصحيحه.