للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا هذا؛ لأنَّه قد جاء في ذلك حديثٌ (١)، وأيضًا قاسوا ذلك على الزكاة (يعني على النِّصاب في الزكاة)، وسترون أثر عمرَ رضي اللهُ عنه (٢) المُلهَم عندما ارتفعتْ قِيَمُ الإبلِ وأصبحتْ هذه النَّاقةُ التي كانت تُباعُ بمبلغٍ مُعيَّنٍ ارتفع سعرُها، كما هو معلومٌ أن الإبلَ لها قيمةٌ عظيمةٌ عند العرب، فارتفعت قيمتُها فعدل عمرُ رضي اللهُ عنه اجتهادًا منه واستصلاحًا لذلك.

والخلافِ هنا بين الفقهاءِ فيما يتعلَّقُ بالوَرِقِ، إذنْ لا خلافَ بينهم في الإبل، فكُلُّهم متَّفِقُون على أنَ الدِّيةَ من الإبلِ مائة، وأنَّها كذلك من الذهب ألفُ دينارٍ، وكذلك من البقر مائتان، ومن الغنم ألفٌ، لكن يبقى الخلافُ في الدَّراهمِ؛ أهي عشرةُ ألافٍ؟ أم اثنا عشرَ ألفًا؟.

* قولُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ (٣): لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ إِلَّا قِيمَةُ الْأِبِلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ).

قد ذكرت أنَّ الشافعيَّ -رحمه الله- يذهب إلى أنَّ الإبلَ هي الأصلُ، وأنَّها هي التي يُرجَعُ إليها في التقدير، والشافعيُّ كما هو معلومٌ له مذهبانِ؟ مذهبُهُ القديمُ، ومذهبُهُ الجديدُ؛ مذهبُهُ القديمُ: الذي كان في العراق، وتعلمون أن الإمامَ عندما يطوفُ في الدنيا ويلتقي بالعلماءِ ويأخذ من علمِهِم وفقهِهِم وحديثِهم، ويقف على عددٍ من النُّصوصِ من السُّنَّةِ التي لمْ تكنْ عنده؛ فإنَّه حينئذٍ يتغيَّرُ اجتهادُهُ في المسائلِ (٤)؛ لأنَّ الإنسانَ


(١) أخرجه الدارقطني (٤/ ١٤٩) عن ابن عباس: "أن رجلًا قتل رجلًا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ديته اثنا عشر ألفًا"، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٢٦٠).
(٢) سيأتي تخريجه.
(٣) يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٢/ ٢٢٧)؛ حيث قال: "والقول الثاني: وبه قال في الجديد: إن إعواز الإبل يوجب العدول إلى قيمتها بالدنانير والدراهم ما بلغت بحسب اختلافها في البلدان والأزمان ".
(٤) وسبب اختلاف قولي الإمام الشافعي القديم والجديد في هذه المسائل إلى إحكام مذهبه وضبطه بالأدلة الشرعية، لا كما يزعم بعض الناس أن الشافعي كان يفتي في العراق بفتاوى، ولما ذهب إلى مصر أصبح يفتي بخلاف ذلك؛ لاختلاف البيئة بين=

<<  <  ج: ص:  >  >>