للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظله يومَ لا ظلَّ إلا ظِلُّهُ: "رجلًا تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنفِقُ يمينُهُ"، ويقول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢].

فبعض النفوس عندها تطلُّعٌ إلى الدرجات العُلى، تبحث عمَّا يكون فيه خير وسعادة لها في الآخرة، ولا يشغلها ما يتعلَّقُ بأمور الدنيا، ولذلك جاء في الحديث: "ذَهَبَ أَهْلُ الدثُورِ بِالْأُجُورِ" (١).

ولا نريد أن نخرجَ كثيرًا عن الموضوع، فهذا سبق الكلام عنه في مناسبات كثيرةٍ، لكنَّ الإمامَينِ مالكًا وأحمدَ؛ قالا: "يُترك ذلك إلى أحوال العصبة، فكلٌّ يدفع ما تجود به نفسُهُ، كذلك الإمامُ الحاكمُ هو الذي يُقدِّرُ ذلك .. يرى المصلحة، فإنْ وجد أنَّ العصبة يتسابقون ويدفعون وأدَّوا ما عليهم؛ وإلَّا حينئذٍ يحتاج إلى أنْ يعودَ ويقرِّرَ شيئًا". هذا هو رأي الإمامين.

والإمامُ أحمدُ له روايةٌ أُخرى (٢) يرى فيها التقدير.

وأمَّا الإمامُ الشافعي (٣) فرأيه متَّحدٌ في ذلك، وقبله أبو حنيفة (٤) يرى


(١) أخرجه مسلم (١٠٠٦) عن أبي ذر: أن ناسًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: "أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَة، وَكُلّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَة، وَكُل تَحْمِيدَةٍ صَدَقَة، وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَة، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بضعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ".
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٨/ ٣٩٥) حيث قال: "وعن أحمد، رواية أخرى، أنه يفرض على الموسر نصف مثقال؛ لأنه أقل مال يتقدر في الزكاة، فكان معتبرًا بها، ويجب على المتوسط ربع مثقال؛ لأن ما دون ذلك تافه".
(٣) سيأتي.
(٤) يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ١٣٧)؛ حيث قال: "عاقلته قبيلته، تقسط عليهم في ثلاث سين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة، وينقص منها فإن لم تتسع القبيلة".

<<  <  ج: ص:  >  >>