بمكةَ ثلاثَةَ عشرَ عامًا يغرِسُ العقيدة يُثبِّتُ أصولها؛ (يعني يغرسها) في قلوب الناس حتى تشرَّبها أولئك المؤمنون الذين هاجروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والذين لحِقَ بهم من آمن، ثم كانت الأُخوة الإسلامية، فقيام الدَّولة، ثم بدأت الفتوحات الإسلامية والغزوات تمتد شيئًا فشيئًا، وكذلك في زمن أبي بكر -رضي الله عنه-، وإنْ كانت فترته قصيرة، ثم جاء عمر -رضي الله عنه-؛ فبدأت الفتوحات تتسع وكَثُرَ الجُندُ، وكثُرَ الداخلون في الإسلام، فوضع - رضي الله عنه - أعمالًا منها الدِّيوانَ الذي يُعرف بديوان الجند ..
فهؤلاء هم الجمهور يقولون: العصبة هم الذين مرَّ ذكرهم؛ لأنَّ هؤلاء العصبة هم الذين ذكرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم الذين كانوا في زمنه، وفي زمن أبي بكر، وهذا الذي وضعه عمر؛ إنَّما كان في زمنه -رضي الله عنه-، وإذا ما جاء أمر عن الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابي؛ فقول الرَّسول -لا شك- يُقدَّمُ في هذا، ثم إن الجمهور تأولوا قولَ عمرَ، وقالوا: إنَّ عمرَ -رضي الله عنه- نعم فعل ذلك، لكن ما المانع أن يكون أولئك الذين في الدِّيوان، والذين ألزمهم هم عشيرةُ ذلك الذي كانت عليه الدِّية، فحينئذٍ يلتقي ما جاء عن عمر، وما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحاشى عمر وغيره من الصحابة بل كل مؤمن أن يخالف أمرًا جاء عن الله سبحانه وتعالى أوْ رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
* قوله:(إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ. وَعُمْدَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّهُ تَعَاقَلَ النَّاسُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-). وهذا هو مذهب الإمام مالك، والإمام أحمد (١).
وقد ذكر أهل الحجاز؛ لأنه يتكلَّم عن مالكٍ، ومالكٌ في المدينة، إذنْ قال ذلك لأنَّه يقابل الحجازَ العراقُ، فالإمام أبو حنيفة في الكوفة، والإمام أحمد في بغداد دار السلام، وكذلك أيضًا الإمام الشافعيُّ كان في العرالتى، ثم انتقل إلى مصر. إذنْ المذهب الذي أشار إليه مذهب أهل الحجاز هو مذهب مالك.