للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه في أول الأمر حتى لا يلتبس بالقرآن (١)، ثم أبيح بعد زوال العلة بتدوين القرآن في المصاحف وانتشارها بل وتوزيعها، فدونت السنة لزوال العله؛ ولأن الحاجة ماسة إلى ذلك بغية الحفاظ على الشطر الثاني من الشريعة. يقول الله تعالى: ({وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}) [النحل: ٤٤].

والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ" (٢) وهو السنة، وهذه السنة الصحيحة المطهرة وحي، ولكنها تختلف عن القرآن من حيث إننا متعبدون بتلاوة القرآن بخلاف السنة التي نحن ملزمون بأن نعمل بصحيحها؛ يقول الله تعالى: ({فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]).

والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في وقت حياته، فلما توفي الرسول كان الرد إلى سنته (٣).

وهذه السنة هيَّأ الله لها نخبة من العلماء الأعلام والجهابذة الكبار، فذبُّوا عنها وبينوا صحيحها من سقيمها، وردوا ما فعل أولئك الزنادقة والواضعون وغيرهم حتى حصروها، فوُضع علم المصطلح وعلم الجرح


= الزبيريين قال: سمعت ابن شهاب يحدث سعد بن إبراهيم قال: "أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا".
(١) أخرجه مسلم (٣٠٠٤) عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه … ". الحديث.
(٢) أخرجه أبو داود (٤٦٠٤) عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه … " الحديث. وصححه الألباني في "المشكاة" (٢٨٧٠).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٧/ ١٨٦) عن ميمون بن مهران: قال: "الرد إلى الله: الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله إن كان حيًّا، فإن قبضه الله إليه فالرد إلى السنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>