بلدًا من البلاد هو بناء مسجد؛ لأنه هو موضع عبادتهم ومكان اجتماعهم ورمز هذه الشريعة، ففيه يجتمعون ويصلون، ويناجون ربهم -سبحانه وتعالى- فيه، ويتلون القرآن العظيم، ويهللون ويسبحون ويعظمون.
وعلى الرغم من كثرة المساجد وانتشارها في ربوع الأرض إلا أنها ليست على نسق واحد ولا على درجة واحدة من حيث الأجر والثواب، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - مبينًا فضل الصلاة في مسجده هذا:"صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ"(١). الذي تقدر الصلاة فيه بمائة ألف صلاة فيما سواه. كما بين أن صلاة في الأقصى تقدر بخمسمائة صلاة فيما سواه.
وإذا كانت درجات المساجد متفاوتة كما بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيأتي في مقدمتها بيت الله الحرام، فهو القبلة وفيه الكعبة المشرفة التي يتجه إليها المسلمون في كل يوم خمس صلوات مفروضة إلى غير ذلك من الصلوات، وهذا البيت يطوف به المسلمون، والطواف ركن من أركان ذلك الحج إلى ذلك البيت العتيق، حيث مقام إبراهيم.
وقد ميَّز بين البقاع وبين فضل الحرم فقال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت: ٦٧]، وقال -سبحانه وتعالى- حكاية عن إبراهيم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧)} [إبراهيم: ٣٧]، وقال تعالى: