للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا وقع الخلاف بين الجمهور وأبي حنيفة (١)، وَكلُّ فريق له أدلته الصحيحة، إلا أنهم يختلفون في الاستدلال.

• وأما أدلة أصحاب القول الأول؛ فكثيرة منها:

حديث أنس وغيره: فعندما أُسرِي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك عُرِج به إلى السماء، والتقى بعدد من الأنبياء؛ فالتقى بآدم في السماء الدنيا ثم إدريس ثم بموسى وعيسى ثم بإبراهيم، ثم فرضت عليه الصلاة أول ما فرضت خمسين صلاة؛ ثم أخذ يتردد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين موسى وبين ربِّه، يسأل ربَّه التخفيف ثم يعود لموسى، وفي كل مرة يقول له موسى -عليه السلام-: "إن أمتك لا تطيق ذلك" فيرجع إلى ربه إلى أن قلَّ عددها من خمسين صلاة إلى خمس صلوات؛ حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي" (٢).

وفي رواية: قَالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَبْتُ، وَلَكِنّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي" (٣)، وهذا نص على أن الواجب من الصلوات هي الصلوات الخمس المعروفة.

وفي الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ [فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ] كتَبَهُنَّ (أي: أوجبهن)


(١) لا يقتصر التفريق بين الفرض والواجب على الحنفية، بل قال به بعض الحنابلة بناءً على روايات وردت عن الإمام أحمد بشأن العلاقة بين الواجب والفرض، فوردت أقوال مختلفة يفهم من بعضها التفريق بينهما، ويفهم من بعضها عدم التفريق. انظر: "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى الفراء (٢/ ٣٧٦) وما بعدها، و"المسودة" لآل تيمية (ص ٥٠) وما بعدها، و"الواضح في أصول الفقه" لابن عقيل (٣/ ١٦٣) وما بعدها.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٩)، ومسلم (١٦٣/ ٢٦٣).
(٣) أخرجه البخاري (٣٨٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>