اختلف العلماء في القسامة في أربع مسائل تجري مجرى الأصول، هذا هو منهجه في كتابه منذ أن بدأ هذا الكتاب حتى قاربنا على إنهائه، فإن المؤلف - رَحِمَه اللَّهُ - لم يعنَ كثيرًا بالفروع، وهو قد بين ذلك حيث سيأتي في كتاب القذف أنه قال:"إن أنسأ اللّه في عمري فسأكتب كتابًا في فروع مذهب مالك".
إذن هو لم يقصد الكلام في الفروع، وإنما قصد الكلام في أمهات المسائل، وهي كبرياتها التي تقرب مما نعرفه بالقواعد الفقهية، والواحدة منها حكم عام يندرج تحته أحكام جزئية كبيرة.
فالمؤلف يدرس الباب، ثم يستخلص منه كبريات المسائل، ثم يضعها ويترك القارئ والدارس لهذا الكتاب؛ ليجتهد في إلحاق ما لم يذكره بما ذكره، ولذلك سماه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" فهو بداية للمجتهد، ومن يريد أن يقتصد في الفقه فإن هذا الكتاب يكفيه.
وأما من يشمر عن ساعد الجد، ويريد أن يتزود ويبحث وينقب ويتوسع، فإن هذا الكتاب بلا شك لا يكفيه؛ لأنه بحاجة إلى أن يطوف في كتب الفقه، ولو قال: لو قرأت المغني - وهو من أجلِّ الكتب وأكثرها وأكبرها - يكفيني، فإنه يقال له: هناك مسائل أيضًا فاتت صاحب المغني مع قلتها، فأنت تحتاج إلى أن تعرفها وتفقهها، فما نقل عن العلماء كله قد جُمِع، لكن الإلمام به أمر صعب.