للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَقَالَ قَوْمٌ: يُقَامُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ) (١): تنبه إلى أن هذا ليس مذهب الحنابلة على إطلاقه، ولكن على ما مضى تفصيله؛ فإن كان المرض خفيفًا فإنه يجلد كما في قصة قدامة (٢)، وإن كان مرضه لثمديدًا فإنه أيضًا يُتقى ألا يكون الضرب متلفًا له، أي: ألا يتلفه الجلد إذا خشي عليه فإنه يضرب بمائة شمراخ ضربة واحدة وهذا جاء في القرآن (٣).

وبهذا يتبين أن هذه الشريعة إنما قامت على الرحمة وأن هذه الحدود لم تشرع لإيذاء الناس وإلحاق الألم بهم، ولكنها شرعت لترح الظالمين وتمنع المعتدين الذين يتعدون على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، فهي إنما شرعت ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا يقوم على الرحمة والمحبة، ولتختفي منه الجريمة وأسبابها.

* * *


(١) يُنظر: "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه "، للكوسج (٧/ ٣٦٩٩، ٣٧٥٠)، حيث قال: "قلت: رجل مريض وجب عليه الحد؟ قال أحمد: يقام عليه الحد، أليس عمر -رضي الله عنه- أقام عَلى قُدامةَ الحدَّ وهو مريض. قال إسحاق: كما قال لما سن عمر -رضي الله عنه- ذلك ".
(٢) أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (٩/ ٢٤٥) عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة، وكان أبوه شهد بدرًا أن عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين -وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر- فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب فسكر، ولقد رأيت حدًّا من حدود الله حقًّا علي أن أرفعه إليك … ثم أقبل عمر على الناس، فقال: "ماذا ترون في جلد قدامة"، قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان مريضًا، فسكت عن ذلك أيامًا وأصبح يومًا وقد عزم على جلده، فقال لأصحابه: "ماذا ترون في جلد قدامة"، قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان ضعيفًا، فقال عمر: "لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه وهو في عنقي ائتوني بسوط تام" فأمر بقدامة، فجلد …
(٣) سبق هذا كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>