للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)} [النور: ٤].

فهذه صفات وصفهم الله تعالى بها، بأن تُرد شهاداتهم وأن يُعدُّوا ضمن الفاسقين؛ لأنهم تجرؤوا فرموا مسلمًا أو مسلمةً، وكذلك من الآيات التي وردت أْيضًا في سورة النور قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)} [النور: ٢٣ - ٢٥].

هؤلاء الذين يرمون المحصنات العفيفات الغافلات المعرضات عن السوء، المؤمنات اللاتي آمنَّ بالله -سبحانه وتعالى- ربًّا وأذعنَّ لأحكام هذه الشريعة، ولا بدَّ أدْ يتوبوا لقوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)} [النور: ٢٤]، ويقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥]، لكن المؤمن الحق إذا سمع سوءًا عن أخيه المؤمن فإنه يدافع عنه بظهر الغيب ولا يجوز له أن يخوض في الإفك، ولا أيضًا أن يخوض مع الخائضين ويتكلم مع الآثمين، بل عليه أن يدافع عن المؤمنين والمؤمنات، ولذلك أثنى الله -سبحانه وتعالى- على بعض المؤمنين بقوله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)} [النور: ١٢]، وفي الآية الأُخرى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} [النور: ١٦ - ١٧]، وكما هو معلوم أن مَن رُمي بالإفك هي أم المؤمنين - رضي الله عنهما - زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما حصل في قصة الإفك معلوم (١)، فإنهم بذلك آذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآذوا أهل بيته، ولمَّا دار حوار بين أبي أيوب وبين زوجته، قالت: "يا أبا أيوب، أسمعْتَ ما قيل في عائشة؟ " فماذا قال أبو أيوب - رضي الله عنه -؟ قال: "يا أم أيوب، لو أن ذلك حصل


(١) قصة الإفك. أخرجها البخاري (٢٦٦١)، ومسلم (٢٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>