وهي أن حد القذف لا يثبت إلا بالمطالبة، وإذا كان الأمر كذلك فإنه لو عفا فإن الحق يسقط؛ قياسًا على القصاص، فليس أخطر من القصاص، ومع ذلك فإذا عفا أولياء القتيل - أي: المقتول - فإنه حينئذ يسقط القصاص، قالوا: ولا يقاس على بقية الحدود، ولا يقال بأن حد السرقة إنما فيه مطالبة؛ لأن صاحب الحق يطالب بالمسروق فقط، أما حد السرقة إذا رفع إلى الإمام: فقد ثبت فيه نص.
والأثر الوارد (١) في السرقة هو ما ورد أن صفوان بن أمية - أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان نائمًا في المسجد وتحته رداء فأخذه منه، فاستيقظ صفوان فأمسك به فأخذ بيده فذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ظنًّا منه بأنه يؤدبه وينتهي الأمر عن ذلك، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يقام عليه حد السرقة - وهو القطع الذي يبدأ بقطع اليد اليمنى كما هو معلوم وسيأتي إن شاء الله في كتاب السرقة -، فلما أمر به قال:"ما أردت ذلك" أي: ما أردت أن يُقطع، قال:"هلَّا قبل أن تأتيني به"، هذا هو الأثر الذي أشار إليه المؤلف وهو حديث صحيح.
رأيتم دقة المؤلف؟ قال: ومن رأى بأنه حق للآدمي - وهو الأظهر - فهو يميل إلى مذهب الفريق الآخر، وقلت لكم: من حسنات هذا الكتاب والمؤلف أني ما وجدته في مسألة من المسائل - منذ أن بدأنا حتى الآن وقبل ذلك - يتعصب لمذهبه، وهذا هو الحق، بل رأيتم في البيوع وفي الوصايا وفي بعض الأحكام: كنا نرى أنه يتشدد أكثر على المالكية وينقد مذهبهم لأنه خبير به، وهذا هو واجب طالب العلم، وكثيرًا ما تكلمنا عن