يرفعوا كل خلاف بينهم وأن يكونوا كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص، وألا يقعوا فيما حذر الله تعالى منه:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال: ٤٦]، وهذا هو حال المسلمين، والتنازع يترتب عليه الفشل، وإذا وُجد الفشل ذهبت الريح والشوكة والقوة والعزيمة، حينئذ يصغرون في أعين أعدائهم، فلا عزة للمسلمين إلا بهذا الدِّين ولا مكانة لهم إلا به، ألم يقم محمد بن عبد الله - وهو رجل واحد - يدعو إلى الدِّين الحق؟ ألم يكن في مجتمع كافر يعتدُّ بعبادة الأوثان وعبادة الأصنام وعبادة الأشجار وعبادة الحجارة؟ ثم يدخل في المسلمين نفر قليل من الضعفاء، ثم أخذ نور الإسلام يظهر شيئًا فشيئًا حتى قامت أول دولة إسلامية في طيبة الطيبة كما تعلمون، وأخذ هذا النور يمتد شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا حتى انتشر في المعمورة.
فإحصاء جميع الروايات يصعب، ولذلك من تتبع الجزئيات فقد أفنى عمره، ولذلك ترون أن من الأسباب التي دفعت جمعًا من العلماء ممن تعمقوا في دراسة الفقه وغاصوا فيه بأن يكتبوا في القواعد الفقهية؛ لأن تلك القواعد تضبط للفقيه أصول المذهب وتُطلعه من مآخِذ الفقه على ما كان عنه قد غاب، وتَنظِم له منظوم المسائل في سلك واحد، فأنت لو جئت بعقد لؤلؤ خرز فأدخلته في سلك واحد واحد ثم وضعته فيه تكون قد نظمت ذلك وضبطتَه، فكذلك عندما تأتي بقواعد كلية أو قواعد كبرى أو حتى أحكامًا كبرى - كما في هذا الكتاب الذي سماه بعض العلماء كالعين وغيره بأنه قواعد فقهية - تجد أنك إذا ضبطت تلك الكليات فإنه يسهل عليك أن ترد الفروع إليها، لكن إن ذهبت تتتبَّع الفروع فإنه سينتهي عمرك دون أن تصل إلى ما تريد، فما أكثر الفروع! ولو قرأنا في الكتب المطوَّلة - التي لو حُقِّقت لبلغت ربما خمسين أو أكثر من خمسين مجلدًا - لوجدتَ فيها تفريعات وجزئيات، إذن هذا أمر يصعب أن يُلم به الإنسان، ولكن