للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا وَاللهِ أَشْرَبُهَا حَيَاتِي … وَلَا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمَا

لِأَنَّ الْخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيهَا … وَتُجْنِيهِمْ بِهَا الأَمْرَ الْعَظِيمَا (١)

وما أكثر ما تجني على شاربها من المهالك! وما أكثر ما توقعه في الشرور! وما أكثر ما ترميه في المخاطر! وما أكثر ما تنقله إلى الوقوع في المحرمات! ولذلك جاء الحديث أن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا" (٢)، والله سبحانه وتعالى قال في سورة البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩]، والميسر المراد به القمار.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩].

لما سمع الصحابة - رضي الله عنه - تلك الآية قرعت أسماعهم، وقال بعضهم: لا حاجة لنا فيما فيه إثم، وقال بعضهم: فيها منافع؛ فبقي يشربها، فأنزل الله تعالى قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} والإثم ليس بقليل، وهذه المنافع ربما تكون ظاهرةً ولكنها في الحقيقة تنتهي إلى أضرار؛ لأن كل ما فيها هو ما كانوا يرونه من النشوة والنشاط والقيام بالأعمال؛ لأن الإنسان يذهب عقله في هذه الحالة فيحس بالنشاط والنشوة والقوة، ولكن سرعان ما يرجع إلى وعيه؛ لذلك قال تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩]، فدعا - صلى الله عليه وسلم - عمرَ - رضي الله عنه - فتُليت عليه الآية، فقال: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا"، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]، فكان ينادي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء وقت الصلاة: يقول: "لا يقربنَّ الصلاة سكران" (٣)، وكذلك امتنع عن هذا كثير من المؤمنين؛ لأنها تشغله عن الصلاة وقالوا:


(١) يُنظر: "مذكرة في أصول الفقه" للشنقيطي (ص ٢٣١).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٧٠)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (٣٢٥٥).
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٣٧٨)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (٣٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>