للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا حاجة لنا بما يشغلنا عن الصلاة، فنودي عمر - رضي الله عنه - فتُليت عليه فقال: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا" فجاء البيان الشافي في سورة المائدة، وهو قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} [المائدة: ٩٠ - ٩١]، فقال عمر - رضي الله عنه -: "انتهينا انتهينا" (١)، وقال ذلك أيضًا غيره من الصحابة، وانظروا إلى تلكم الأشياء التي عدَّدها الله سبحانه وتعالى وبيَّنها في خطورة الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: ٩٠]، والرجس (٢) هو الشيء الخبيث النجس، وبيَّن أنها من عمل الشيطان، فهل يكون في شيء من عمل الشيطان خير؟ الشيطان يدعو إلى الفحشاء والمنكر، الشيطان غايته وأمنيته أن يوقع المؤمنين في المهالك، فهو يريدهم أن يكونوا جندًا من جنوده وتبعًا من أتباعه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: ٩١]، ({إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}) [المائدة: ٩٠].

ثم جاء الأمر فاجتنبوه.

{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠].

إذن، هنا أمرٌ باجتناب الخمر، واجتناب الخمر يدفع صاحبه إلى الوقوع في الفلاح؛ لأن كل من يمتثل أوامر الله سبحانه وتعالى ويتجنب نواهيه وشملك طريق الرشاد والسداد، فإن غايته أن يكون من الفالحين المفلحين في هذه الحياة الدنيا الناجين يوم القيامة، {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ولم تقل الآية عند هذا الحد: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ … (٩١)} والشيطان له مآرب كثيرة وغايات عديدة لا تنتهي عند هذا الأمر: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: ٩٠]، وما أكثر وقوعها في تلكم


(١) أخرجه أبو داود (٣٦٧٠)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (٣٢٥٥).
(٢) الرجس: اسم لكل ما استقذر من عمل. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (١٠/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>