للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضَوْا من المؤمنين ممن قُتلوا في سبيل الله قبل تحريم الخمر؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن حالهم من الصحابة - رضي الله عنه - وهم الذين ماتوا في الجهاد وفي غيره من المؤمنين" (١)، وانظر كيف كان يهتم المؤمنون بعضهم ببعض، فما كانوا ينسون أمواتهم ولا يغفلون عنهم، بل سألوا عن حالهم لما رأوا تحريم الخمر وشدة تحريمها وما جاء فيها من الوعيد، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣]: إذا لمَّا شربوها لم تكن محرَّمة، والله سبحانه وتعالى لا يكلِّف نفسًا إلا ما آتاها، فهي لم تكن محرَّمة، وفي بعض الآثار: أن عمر - رضي الله عنه - ردَّ على قدامة فقال له: "إذا اتقيت اجتنبت ما حرَّم الله" (٢)، فعاد أولئك النفر إلى قول الصحابة، فحصل بعد ذلك الإجماع الكلي فأجمعوا على تحريمها، إذن تحريم الخمر جاء في كتاب الله عز وجل وفي سنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أكثر الأحاديث التي في الصحيحين وفي أحدهما وفي غيرهما وهي صحيحة، وأجمع العلماء (٣) منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم - فما بعدهم على تحريم الخمر.

قوله: (وَالْكَلَام فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ: فِي الْمُوجِبِ، وَالْوَاجِبِ، وَبِمَاذَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ؟).

وهي جناية؛ لأنها تعدٍّ على حرمات الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧]، وقالوا: إن الخمر هي أم الخبائث، فضررها لا يقتصر فقط على أن يذهب عقل صاحبها، ولكن رأيتم ما عدَّده الله تعالى من مخاطرها، فربما توقعه في جنايات


(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ٥٨١).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٩/ ٢٤٠) وفيه قال عمر لقدامة: "إني حادُّك " فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني، فقال عمر: "لِمَ؟ " قال قدامة: قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} الآية فقال عمر: "أخطأت التأويل إنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك ".
(٣) يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (٧/ ٢٢٥) حيث قال: "وأجمع أهل العلم على تحريم الخمر".

<<  <  ج: ص:  >  >>