للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم من مجرد شرب الخمر، ولذلك ذكر الحافظ ابن رجب في كتابه "لطائف المعارف" (١): بأن رجلًا كان يشرب الخمر، وأن أمَّه كانت تنهاه كثيرًا عن ذلك وتحذره، فجاء في يوم من الأيام وهو في غاية السُّكْر والهذيان، وكانت أمُّه قد أشعلت التنُّور -يعني: الفرن- ووضعت فيه النار لتخبز، فأخذها فوضعها في التنُّور فاحترقت، فهل هناك جناية أعظم من هذه الجناية؟ ما سببها؟ هذا هو الخمر، فلو أن هذا الإنسان كان عاقلًا هل يفعل ذلك بأمه؟! مهما قلَّت شفقة الإنسان لا يمكن أن يتعدَّى على أمه ولا على أبيه بهذا ولكن متى يتعدَّى؟ إذا ذهبت تلكم الجوهرة العظيمة التي منحه اللّه تعالى إياها وخصَّه بها، وهناك من وقَعوا على محارمهم نتيجة السُّكْر وهناك من قُتل وهناك من تعدَّى، وما أكثر ذلك؛ لأنه إذا فقد الإنسان عقله فقَد كل شيء، إذَن أصاب المؤلف عندما قال بأنها جناية، نعم هي جناية وأي جناية، بل هي أم الخبائث وأم الأشرار، وشربها إنما هو مما يرضي الشيطان ويجعله سعيدًا فرحًا؛ لأنه يعلم نتائج ما تؤول إليه.

(وَالْكَلَام فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ: فِي الْمُوجِبِ، وَالْوَاجِب، وَبِمَاذَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ؟)، فالمؤلف قد حدَّد الأمور التي سيتحدث عنهَا وسيتناولها في الباب.

قوله: (فَأَمَّا الْمُوجِبُ فَاتَّفَقُوا (٢) عَلَى أَنَّهُ شُرْبُ الْخَمْرِ دُونَ إِكْرَاهٍ: قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْكِرَاتِ مِنْ غَيْرِهَا).

فأما الموجب -وهو الذي يوجب الحد على شارب الخمر- هو أن يشرب الخمر ولكنه يشربها غيرَ مكرَه، فلو أُمسك بإنسان وأُسقي الخمر فإنَّا لا نقول عن هذا بأنه يقام عليه الحد؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عُفي


(١) انظر: "لطائف المعارف" (ص ١٤٦).
(٢) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (٢/ ٢٤٥) حيث قال: وأجمعوا أن في شرب قليل الخمر وكثيرها الحد لا أعلم فيه خلافًا بين الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>