فانظر صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف كان يتسامح؟ "لا تثريب عليكم، أقول كذا وكذا، لا تثريب عليكم اليوم" وكم عفا رسول الله وكم صفح، والله تعالى يقول:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}[الأعراف: ١٩٩]، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت: ٤٦]، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥].
فكان المسلمون قدوةً صالحةً، مرآةً صفيةً نقيةً، إذا رآها الآخرون نظروا فيها فكانوا يتأثرون بما كانوا عليه، ولا شك أن غير المسلم ينظر إلى صفات المؤمن: فإن كان يسير في نور الله فإن ذلك سيجذب المخالف إلى الحق، وقد رأيتم كثيرًا من الأطباء غير المسلمين الذين وقفوا على بعض تلكم الأسرار المتعلقة بعلم الطب ووضحَتْ لهم، وأدركوا أن القرآن قد أشار إليها من قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، رجعوا وأنابوا إلى الله، ولعلِّي ذكرتُ لكم قصة ذلكم القبطان الفرنسي الذي كان يقود سفينة في البحر الأبيض المتوسط، فكان يقودها ذات يوم، فاشتدت بهم الأمواج، وكأنه سمع في الآية التي يصف الله سبحانه وتعالى فيها أعمال المشركين:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ}[النور: ٤٠]، {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور: ٤٠].
فسأل سؤالًا واحدًا فقط، قال:"هل ركب محمد البحر؟ " قالوا: "لا"، فآمَن، إذن هذا الدين له تأثير عظيم يأخذ بمجامع القلوب ويؤثر فيها، فما أحوج المؤمنين إلى أن يعطوا صورةً صادقةً صافيةً نقيةً لغير المؤمنين، وأنتم تسمعون في كل فترة عن الذيين يدخلون في الإيمان، فأنت عندما تُوازِن بين الإسلام وغيره تجد أن غير المسلمين يبذلون الأموال الطائلة وينفقون المغريات -ويندر أن يدخل إحد في دينه- بينما تجد الإسلام يغزو النفوس بذاته إذا نُقِل بصورة صادقة، كلما أصغى الإنسان إلى هذا الدين وما فيه من لحكمة والأحكام وما فيه من الأسرار والغايات، فإنك تجد أن المُنصف يُقبل على هذا الدين، ألم يُسلم كثير من أهل الكتاب في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ يقول الله تعالى في سورة المائدة: